الأردن يتحمل أكثر من طاقته وإمكانياته وموارده باستضافته عددا كبيرا من الفلسطينيين والعراقيين والسوريين واللبنانيين، وهذا الأمر ليس ضربا من الخيال بل حقيقة لا تحتاج إلى نقاش، فالأردن يستضيف 3 ملايين فلسطيني، وحوالي مليون سوري ونحو 700 ألف عراقي، و700 ألف مصري و80 ألف لبناني، و20 ألف ليبي، وهذا العدد الكبير من “الضيوف” الذين يعيشون في الأردن يسكنون بلا كفالات أو كفلاء أو حتى منة من الدولة الأردنية، حكومة وشعبا.
تاريخيا، كان الشعب الأردني سباقا دائما إلى احتضان الإخوة وتوفير ملاذ آمن لهم، بل ومنحهم الجنسية التي تمكنهم من العيش بسهولة ويسر، ولم يغلق يوما أبوابه دون أحد، فالفلسطينيون هاجروا إليه مع الهزائم المتتالية أو ما أطلق عليه “النكبة” والنكسة” عامي 1948 و1967 وكثير من اللبنانيين هاجروا إلى الأردن عندما اندلعت الحرب الأهلية عام 1976 ثم كانت الهجرات العراقية المتتالية أثناء فترة الحصار على العراق في التسعينيات وبعد الغزو الأمريكي وسقوط بغداد عام 2003 ثم كانت الهجرة السورية التي بدأت مع اندلاع الثورة السورية في 2011 والتي وصلت إلى معدل 2000 نازح سوري من بطش نظام الأسد الإرهابي إلى الأردن يوميا.
لقد تحمل الشعب الأردني الأعباء وحده في إغاثة هؤلاء النازحين واللاجئين والهاربين من الطغيان والاحتلال بحثا عن ملاذ آمن، وتقاسم معهم الخبز والماء وفراش النوم و”الصوبات والحرامات والبطانيات” وتقاسم معهم الرغيف مناصفة دون أن يسخر كل وسائل الإعلام “للطنطنة والتزمير” كما تفعل بعض الدول العربية التي تقدم “مكرمات” يسبح إعلامها بحمدها ليلا نهارا وتصدر التقارير والإحصاءات والبيانات عن هذه “المساعدات الأخوية” التي لا تشمل طبعا فتح الأبواب أمامهم للعمل أو العيش على قاعدة “روح العب بعيد”، لكن الشعب الأردني قدم كل ما لديه حتى ضاقت به الدنيا، وقدم لهم الغذاء رغم أن 8 في المائة من الأراضي في الأردن صالحة للزراعة يزرع 4 في المائة منها بسبب نقص المياه، وتقاسم معهم شربة الماء رغم أنه واحد من أفقر 10 دول في العالم من حيث المصادر المائية، وشاطرهم وقود الطبخ والتدفئة وبنزين السيارات رغم أنه يستورد النفط بالأسعار العالمية، الأمر الذي يشكل ضغطا هائلا على موارده الطبيعية المحدودة، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشية وارتفاع الأسعار التي وصلت إلى أرقام فلكية مقارنة مع دخول الأردنيين المتواضعة، وارتفعت المديونية الأردنية حتى وصلت إلى 25 مليار دولار، وهو رقم لا يستطيع الأردن أن يسدده إذا لم يتدخل العرب.
مع كل هذه الحقائق والأرقام يترك العرب الأردن وحيدا في الميدان وكأنه “الأخ العربي الوحيد” المكلف بإغاثة الفلسطينيين والسوريين والعراقيين واللبنانيين وحده دون مساعدة من أحد، في حين تغلق مصر ودول الخليج العربية أبوابها أمام هذه الهجرات الهاربة من الموت والفقر والجوع والخوف، وكأن على الشعب الأردني أن يتحمل انقطاع المياه لمدة أسبوعين أو أكثر لتصله قطرات من المياه لا تسد رمقه، وعليه أن ينام على الطوى لأن الموارد لا تكفي.
الدول العربية مقصرة بحق الأردن، ودول الخليج العربية والجزائر مقصرة أكثر من غيرها لأنها تملك ما يكفي من الموارد المالية لمساعدة الشعب الأردني على تحمل أعباء “الأشقاء الهاربين”، ولهذا فإن ترك الأردن وحيدا في الميدان ظلم كبير، وتعامل العرب مع أعباء الشعب الأردني وضيوفه من اللاجئين ” القدامى والجدد” من خلال الجمعيات الخيرية مهزلة ما بعدها مهزلة، فعلى العرب أن يتحملوا تكاليف “إغاثة الأشقاء والإخوة” في الأردن لا أن يترك الشعب الأردني يصارع قدره دون أن يمد شقيق له يد العون.
الوضع في الأردن يحتاج إلى أكثر من تدخل “جمعيات خيرية”، تعتمد عقلية الإحسان والصدقة، فالشعب الأردني لا يتسول ولم يعتد على ذلك، بل يحتاج إلى خطة إغاثة عربية شاملة، تقودها دول الخليج العربية والجزائر، لأن ترك الأردن يغرق في مستنقع الديون والفقر والبطالة سيرتد وبالا على الكثيرين وفي مقدمتهم دول الخليج، ويكفي النظر إلى الخارطة للتأكد من أن الأردن هو البقعة المستقرة الوحيدة في محيط مضطرب من سوريا إلى العراق وفلسطين ولبنان، فلا تتركوا الأردن، آخر ملاذ آمن في بلاد الشام ينزلق إلى الفوضى وعدم الاستقرار.