تسير الثورة السورية في عامها الثالث وهي لم تحسم أمرها ولم تحدد أهدافها كما يجب ولم تدرك المتغيرات الدولية، فصائل متعددة متناحرة وقوى تعمل منفردة وكأن القدر بيدها وتعتقد أنها على صواب وغيرها على ضلال، مرة المجلس الانتقالي، وتارة أخرى الائتلاف الوطني وثالثة الجيش الحر. صراعهم فيما بينهم أشد من صراعهم مجتمعين على الإطاحة بنظام بشار الأسد.
في مطلع الأسبوع الماضي وعشية انعقاد دورة الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك بحضور ملوك ورؤساء وجميع قادة العالم لمناقشة قضايا دولية اقتصادية وبيئية وعسكرية وأمنية وغير ذلك وكان من أهم البنود المطروحة على جدول أعمال الجمعية العامة بصفتها برلمانا عالميا تشريعيا واجتماع مجلس الأمن الدولي بصفته السلطة التنفيذية في التنظيم الدولي، الأوضاع القائمة في سورية الحبيبة وعلى قمة تلك الأوضاع السلاح الكيماوي الذي يمتلكه نظام بشار الأسد الذي استخدمه أكثر من مرة ضد الشعب، كما تقول التقارير الصادرة من سورية وكان أعظمها وأكثرها إجراما ما حصل في الغوطة.
في ظل هذه الدوامة السياسية في نيويورك خرج علينا من سورية “حلب الشهباء” عدد من أطلقوا على أنفسهم “الكتائب الإسلامية” وأبرز تلك التنظيمات لواء النصرة ولواء التوحيد ولواء الإسلام وحركة أحرار الشام ولواء الأنصار “معلنة سحب اعترافهم” بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة والذي يتشكل من أطياف سياسية متعددة يهدف هذا التنظيم كما يعتقد البعض إلى إسقاط نظام بشار الأسد في دمشق. يسبب هؤلاء سحب اعترافهم “بالائتلاف الوطني” أنه جاء رداً على قبول الأخير بالذهاب إلى “مؤتمر جنيف 2” المزمع انعقاده الشهر القادم، لأن ذلك المؤتمر مرتب للتنازل عن الحقوق الشرعية التي قامت من أجلها الثورة السورية الراهنة كما يعتقدون.
( 2 )
لا اعتراض عندي على أن تختلف أطياف المعارضة السورية فيما بينها من أجل الوصول إلى تحقيق الأهداف العظمى عندهم وهي الإطاحة بالنظام القائم في دمشق وإقامة نظام ديمقراطي تعددي، لكن نقطة الاعتراض عندي هو الانسحابات الجماعية أو الفردية، أقصد المنظمات من “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، كما جاء في البيان آنف الذكر.
إن الإعلان عن سحب الاعتراف بالائتلاف الوطني السوري في بداية الأسبوع لم يكن موفقا في التوقيت ولا في التكتيك السياسي، لأن ذلك الإعلان جاء لصالح النظام المطالبين بإطاحته وتحولت الحوارات السياسية في نيويورك بين جميع القيادات السياسية بأنه ليس هناك بديل للنظام السوري القائم وأن البلاد ستتحول إلى فوضى وإلى هيمنة متطرفين إسلاميين، بمعنى آخر ستتحول سورية كلها إلى قاعدة للإرهاب الدولي سيجعلها عبئا على المجتمع الدولي.
( 3 )
الملاحظ أن التيارات الإسلامية السياسية الراهنة في الوطن العربي تعيش في عالمها المنعزل عن عالم الواقع الدولي، البعض منهم يريد أن يرد المجتمعات الإسلامية إلى عصرها الأول، أعني عصر الرسالة النبوية الشريفة ومن بعده الخلفاء الراشدون، ويصرون على ذلك، لست مشككا في علمهم إلا أن الملاحظة عندي تقتضي القول إنهم لم يفرقوا بين إسلام أهل مكة وإسلام أهل المدينة ولا جدال عندي بأن هناك خلافا جوهريا في الآيات المكية والآيات المدنية، لكن الإيمان بالله واليوم الآخر والرسالة النبوية والتصديق بما جاء به الرسل لا يتزحزح. في زمن السلف الصالح ليست هناك مصالح دولية متشابكة كعهدنا الحاضر وليس هناك فضاء مفتوح كعهدنا اليوم، لم يكن هناك أقمار صناعية ولا صواريخ عابرة للقارات ولا نقود مهيمنة على واقع تلك الأزمان، كانت النقود في أضيق دوائرها وكان السائد هو نظام المقايضة في المعاملات التجارية، اليوم الوضع مختلف ولا أريد أن أغوص في تفاصيل الاختلاف، فكلها مشاهدة بالعين المجردة والممارسة العملية.
ابن تيمية رحمه الله يقول: “إن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض ولا بد لهم عند الاجتماع من حاجة إلى رأس.. فهل أدركتم قول ابن تيمية ومن هو الرأس الذي يحظى بإجماعكم؟ وهل أدركتم أنكم لن تحققوا أي نصر إلا بوحدتكم؟
( 4 )
“مؤتمر جنيف 2” أصبح مطلبا دوليا وقد أقره الكبار والتابعون، فهل أعددتم العدة في تنظيماتكم المعادية للنظام وجندتم قواكم السياسية والدبلوماسية لخوض المعركة السياسية في جنيف؟ الابتعاد من قبل الثورة والمعارضة عن المؤتمر في تقديري انتحار سياسي والمشاركة فيه دون وعي سياسي والقدرة السياسية والمعرفة الحقة بفن ومهارة التفاوض هو أيضا انتحار سياسي. إن الفهلوة السياسية ومفاوضات تجار السياسة غير مجدية في مثل هذه الحالات، لا بد أن يكون فريقكم في المؤتمر القادم يتكون من عدة فرق، فريق في مهارة الصياغات القانونية والسياسية لأي بيان رسمي أو اتفاق، يجب أن يشتمل فريقكم على خبراء في علم أو إن شئتم فن التفاوض كما يفعل الإيرانيون والإسرائيليون. إن وحدة الجبهة الداخلية في الميدان هي أحد عوامل قوتكم التفاوضية، وأن اختلافاتكم الدنيوية على تحقيق المصالح الذاتية أو الفئوية أو الأقلية هي مقتلكم ونهايتكم. إن إصرار “الفيالق الإسلامية المقاتلة” على تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الدولة الإسلامية في الوقت الراهن أمر في غاية الصعوبة ولن يسمح لها المجتمع الدولي بأن ترى النور.
إن أمامكم اليوم تجارب حية فشلت في قيام الدولة الإسلامية أو هيمنة الحزب الإسلامي، الجزائر نموذجا، وجمهورية مالي، ومصر ما برحت تضمد جراحها والسودان اليوم على حافة الانهيار وتونس حدث ولا حرج وتركيا تتربص بها الدوائر، سؤالي لهذه التيارات الإسلامية، هل أدركتم حال عصركم؟
آخر القول: التقارب الأمريكي الإيراني سيكون على حساب العرب عامة والخليج العربي وسورية خاصة، فهل أنتم تعقلون؟ بيدكم يا عرب كل وسائل الاحتفاظ بأوراق اللعبة السياسية وإدارتها في المنطقة وأنتم الرابحون، فهل أنتم فاعلون؟!!