عندما أعلن علي خامنئي في آذار الماضي استعداد ايران لحل المشكلة النووية بفتح منشآتها امام الرقابة الدولية، في مقابل الاعتراف بحقها في امتلاك الطاقة النووية لأغراض سلمية، لم يكن هناك من يريد ان يستمع او يصدق، فسياسة المراوغة وكسب الوقت سبق ان أفشلت كل جلسات المفاوضات بين ايران ومجموعة 5+1.
حسن روحاني حمل الى نيويورك شعار خامنئي “المرونة البطولية” ليشن هجوماً ديبلوماسياً في اتجاهين: تكرار تصريحاته عن الاستعداد لحل المشكلة النووية عبر تفاوض يتسم بالمرونة والشفافية، وتوجيه رسائل دافئة تمحو غطرسة حقبة أحمدي نجاد حيال اسرائيل بإدانته جرائم النازيين ضد اليهود.
المصافحة بين روحاني وباراك اوباما كان يفترض ان تتم على هامش ذلك العشاء التكريمي، الذي يبدو ان روحاني تعمّد التغيب عنه، فكان ان علم البيت الابيض بأن الايرانيين منزعجون من قول اوباما في خطابه “انه لا يريد ان يغيّر النظام في ايران”، و”لكأنه في مرحلة عجزه الفاضح عن تنفيذ تهديده ضد النظام السوري، قادر على تغيير النظام الذي يقارع اميركا منذ ثلاثة عقود”!
وهكذا قرر اوباما ان يبدأ فحصاً عملياً للمرونة الايرانية المستجدة محاولاً استكشاف صدقية “مخمل روحاني” الذي يؤكد انه يحمل تفويضاً من خامنئي، وخصوصاً ان لدى ايران ما يكفي من متاعب اقتصادية نتيجة العقوبات تدفعها الى الانضباط، وفي المقابل لدى اميركا ما يكفي من متاعب اقتصادية وحساسية ضد الحروب ما يدفعها الى عدم التهوّر!
وهكذا حصل الاتصال الهاتفي مع روحاني بطلب من اوباما، فأحدث دوياً كبيراً لأنه اول اتصال على المستوى الرئاسي بين البلدين منذ 34 عاماً، ولأنه بدا كعملية تهافت اميركي متسرع على فتح صفحة مع ايران، التي لم تقدم سوى الابتسامات والوعود التي لم تعرف التطبيق منذ اعوام.
من المبكر الإغراق في الافتراضات وفي القلق الاقليمي، مع تقدم النظرية التي طالما تحدثت عن وجود تحالف او التقاء مصالح ضمني بين واشنطن وطهران، بدليل مآل الاوضاع في العراق وافغانستان، فقد يكون من مصلحة اميركا رغم انصرافها الى الهموم الآسيوية، ان تحاول الأكل باليدين معاً هنا، فتحاول كسب ايران كشريك مضارب في المنطقة، بما سيرسّخ مطواعية دول الاقليم بسبب حاجتها الى ضمانات اميركية، في مواجهة الطموحات الايرانية وسياسات التدخل والتخريب الممتدة من افغانستان الى لبنان عبر دول الخليج والعراق وسوريا!
ولكن عندما يتمسك روحاني في الامم المتحدة بدور محوري لإيران في الاقليم، يصبح من الصعب التصديق ان الملف النووي الذي سيكون موضع اختبار بعد اسبوعين يمكن ان يصل الى نتائج ايجابية ملموسة، لأن الترهيب بالنووي وحده فتح ابواب طهران على واشنطن ووحده يشجعها على تحريك خلاياها في الاقليم!