مثلما أفتوا(في استغلال واضح للدين) بأولوية (الجهاد)في سوريا عنه في فلسطين، وجواز إرضاع السكرتيرة لرب العمل، أفتوا بشرعية ما أسموه(جهاد النكاح) في سوريا! بداية: فإن الدين الإسلامي الحنيف هو أطهر وأسمى من كل الفتاوى الشرعية السابقة، فهو الدين الذي نظّم العلاقات الاجتماعية بين البشر، لتنعكس ودا بين المسلمين ولتسود مبادئ العدالة الاجتماعية والتضامن والإخاء في المجتمع. هذا الدين لا يمكنه إجازة علاقة إنسانية تنقلب أمراضاً اجتماعية تنخر المجتمع الإسلامي في صميمه.
منذ فترة قرر بعض ممن يعتبرون علماء الدين الإسلامي في تونس جواز” جهاد النكاح” في سوريا! وبالفعل استغلت بعض الجماعات السلفية التكفيرية هذه الفتوى،وبدأت في عملية غسل أدمغة الكثيرات من الفتيات, وتسفيرهن من أجل أن يقمن(بالجهاد) من خلال إراحة(المقاتلين المجاهدين) ضد نظام(الطاغية والكفر) بشار الأسد. لقد تصدى لهؤلاء(المشرّعين!) عديدون من العلماء المسلمين الأتقياء, وقاموا بتخطأة هذه الظاهرة. كذلك بعد مضي بضعة شهور على هذا الأمر، عادت كثيرات من هؤلاء الفتيات التونسيات إلى بلدهن، وهن حوامل! وزارة المرأة التونسية أطلقت حملةً إعلامية جديدة ضد ” جهاد النكاح” وذلك بعد عودة هؤلاء الفتيات, وحذرت من خطورة هذا الأمر. بدوره أعلن وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو خلال مساءلة أمام البرلمان: ” أن التونسيات اللواتي يسافرن إلى سوريا يرجعن إلينا يحملن ثمرة الاتصالات الجنسية باسم “جهاد النكاح” ونحن نقف ساكتين ومكتوفي الأيدي” وحول هذه المسألة نقول:
أولاً: يجري التغرير بهؤلاء الفتيات واللواتي في غالبيتهن يعشن ” فترة المراهقة” وفقاً للأنباء, ويتم استغلالهن بطريقة بشعة, ويتم إقناعهن بأن ما سيقمن به هو”جهاد في سبيل الله”.. غالبية هؤلاء الفتيات يسافرن مع الجماعات دون علم أهلهن ويجري الزج بهن بين أيدي الإرهابيين من التكفيريين, ينتقلن من واحد إلى آخر، في ظاهرة هي أقرب إلى الزنا منها إلى أي اسم آخر، وبعد بضعة شهور يعيدونهن إلى بلدانهن وهن حوامل غير معروف ممن!؟.
ثانياً: بسبب جهل من هو الأب, فإنهن ينجبن أطفالاً أبرياء غير معروفي النسب. هذا الأمر له تبعاته السلبية على نفسيات الفتيات أولاً، وعلى الأطفال حينما يكبرون وهم مجهولو النسب، وعلى أهالي الفتيات في المجتمع، فنحن نعيش في مجتمعات شرقية إسلامية في غالبيتها محافظة. وجريمة الزنى في العديد من الدول العربية والإسلامية ما زالت تُعاقب بقتل هؤلاء الفتيات. بالتالي لك أن تتصور حجم الإشكالات الاجتماعية الناجمة عن مثل هذه الظاهرة!.
ثالثاً: لم يسبق في التاريخ الإسلامي منذ الرسول الكريم صلوات الله عليه وسلامه حتى هذه اللحظة, أن جرى استعمال مثل هكذا أمر، رغم فترات الغياب الطويلة للفرسان المسلمين في معارك بعيدة خارج حدود الوطن العربي. من النساء العربيات المسلمات من شاركن في القتال مثل الرجال، ومنهن من قدن المعارك، وكن في الجبهة الخلفية يسعفن الجرحى، ويضمدن جراحهم، ويطعمنهم ويسقينهم. هذا هو دور المرأة في المعارك الإسلامية، وليس الدور الذي يريده بعض(مسلمي) آخر زمن، ممن يجيزون ما يسمونه”بجهاد النكاح”.
رابعاً: إن ما يسمى”بجهاد النكاح” هو حَطّْ من قدر المرأة، واقتصار دورها(الجهادي) في النكاح، والإسلام بعيد عن هذه المفاهيم الغريبة عن المجتمعات الإسلامية، فالزواج بين الرجال والنساء منظم، له قواعده وأصوله الشرعية، ووقف الإسلام ضد اختلاط الأنساب الذي كان منتشراً في الجاهلية. هذا ما لا نقوله نحن بل أكدّه ويؤكده التاريخ. صحيح أن الأم هي من يُنجب الأبناء غير أن من الصحيح أيضاً: أن الأمهات هن المدرسة الأولى في تربية الأبناء تربية مستقيمة، إسلامية، في ظل وجود الأبوين (فإبغض الحلال عند الله الطلاق). والأبناء بحاجة إلى الأمهات والآباء الذين بهم تكتمل العائلة، وبهذه الطريقة يمكن بناء المجتمع الإسلامي السليم والصالح،وليس بإنجاب أطفال غير معروفي الأباء ومجهولي الهوية!.
خامساً: هذا الشكل غير الإسلامي شكلاً ومضموناً، هو اختراق سلبي لقيم المجتمعات العربية والإسلامية، ولظاهرة الزواج الشرعي، وتحويل المرأة إلى أشبه بالزانية، فوفقاً لوزير الداخلية التونسية يتناوب على كل فتاة ما بين 20-30-100 مقاتل. هذا الشكل الذي من الظُلم أن يُقرن بـ(الجهاد-الظاهرة النبيلة في قتال الأعداء) يعود الفتيات على الدعارة وهذا بعيد عن الإسلام وتعاليمه وروحه!.
من الواضح أن قيادات الجماعات التكفيرية الارهابية تستغل الدين لتنفيذ أهدافها المشبوهة في سوريا, التي تجابه للسنة الثالثة على التوالي عشرات الآلاف من الإرهابيين الطامحين إلى بناء دولتهم في هذا البلد العربي! هؤلاء أدوات تنفيذية لأوساط إقليمية ودولية هدفها: تدمير سوريا وتفتيتها إلى دويلات طائفية مذهبية وإثنية, وتدمير بنية جيشها لإزاحته من طريق مجابهة إسرائيل، بتدمير قوى المقاومة في سوريا ولبنان وإيران من أجل بناء شرق أوسط جديد وفق التصور الأميركي ـ الصهيوني ـ الغربي له، بهدف آخر وهو تصفية القضية الوطنية للشعب الفلسطيني, ولتسييد إسرائيل في المنطقة وإبقائها رأس الجسر للمؤامرات ضد وحدة المنطقة العربية, وتفتيت دولها وإبقاء الفصل قائماً بين شطري الوطن العربي في كل من آسيا وإفريقيا.
للأسف هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية تعبء رؤوس الفتيات بمعلومات مضلّلة وكاذبة(للجهاد) في سوريا! و(جهادهم) يأتي من خلال القيام بالمجازر وذبح الناس(بمن فيهم الأطفال أمام أهلهم) بالبلطات والسكاكين (وكأنهم خرفاناً)!هذه المنظمات التكفيرية تجند الفتيات البريئات بطريقة مبتذلة وسوقية مستغلةً الدين الإسلامي الحنيف.هذه الظاهرة أصبحت منتشرة(وفقما الأنباء)في بلدان المغرب العربي.
الواجب من القائمين على ديننا الحنيف في كافة الدول العربية ومشيخة الأزهر بشكل خاص: التصدي لهذه الظاهرة واستمرار الإفتاء بتحريمها، وهي التي تعتبر تعدياً على الدين الإسلامي الحنيف. واجب وسائل الإعلام العربية المقروءة ، المسموعة، والمرئية التصدي بشكل واسع لهذه الظاهرة وتوعية الفتيات بمخاطرها ونتاتجها المدمرة عليهن وعلى المجتمعات العربية.
د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني