قد يكون مفهوماً أن تنأى جامعة الدول العربية ودول عربية فاعلة بنفسها عن شؤون الصومال، البلد الذي قُبلت عضويته في الأسرة العربية يوم كان ثمة سياسة أفريقية للعرب، خصوصاً لمصر. لكن من غير المفهوم أن يُغلق عرب آذانهم وأفواههم عندما ترتكب في الصومال الجرائم وعمليات القتل وعندما ترتبط جماعات صومالية إرهابية بعلاقات مع جمعيات عربية. لم تعد كافية الإعلانات الرسمية الموسمية عن الوقوف قي مواجهة الإرهاب وإدانة الجرائم التي ترتكب باسم الإسلام.
لقد سمعنا تبريرات من محللين على شاشات عربية وقرأنا آراء في وسائل إعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مقتلة نيروبي التي نفذها أعضاء في «حركة الشباب» الصومالية باحتلال كيني للجارة الشمالية وبواقع الفقر في الصومال وبنصرة المسلمين ودحر الكفار. وإذا كان ثمة جمهور عربي لا يزال معجباً بممارسات «القاعدة» وفروعها و «يمجد» الإرهاب منذ أن حُولت أفغانستان، بفتاوى رسمية، أرض «جهاد» ضد الاحتلال السوفياتي، فان مياهاً كثيرة جرت منذ ذلك الحين ما دفع إلى مراجعات للمواقف الرسمية لدول عربية ومرجعيات دينية، خصوصاً بعد «غزوتي» أيلول.
لكن هذه المراجعات التي جاءت بعد حملة ضغط استثنائية قامت بها إدارة الرئيس السابق جورج بوش، يختفي اثرها عندما يتعرض بلد غير فاعل على الساحة الدولية لنوع مماثل من الإرهاب، كما حصل في نيروبي قبل أيام وقبلها بأشهر في كمبالا وعلى نحو شبه يومي في نيجيريا، وكل ذلك باسم الإسلام ومحاربة الكفار.
لقد تخلى العرب وجامعتهم عن الصومال، كبلد عربي يعاني أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، خصوصاً بعد الانحسار المصري عن القارة الأفريقية مع تولي الرئيس حسني مبارك السلطة والأزمات الداخلية السودانية، ما جعل الفراغ الناجم عن انهيار نظام سياد بري المركزي في مقديشو يُملؤ، منذ مطلع تسعينات القرن الماضي بتشكيلات مجتمعية ما قبل دولتية (قبائل وعصابات) وبموفدين لـ «القاعدة». وفاض الاضطراب في الصومال إلى الجوار الذي تحرك الجانب الأفريقي منه من أجل احتوائه، بينما كان الجانب العربي ينسحب من أي مسؤولية، خصوصاً بعدما حاولت قوات أفريقية، تحت غطاء دولي، حماية شكل جنيني من هياكل دولة في مقديشو. وسجل في العاصمة الصومالية وجود لمؤسسات دولية ولقوات أفريقية، لكن الوجود العربي ظل معدوماً على كل المستويات. وباستثناء محاولة يتيمة من تركيا، تمثلت بزيارة لرئيس حكومتها طيب أردوغان، لم تعتبر الدول الإسلامية، ومنظمة التعاون، أنها معنية مباشرة بالوقوف في وجه الجماعات التكفيرية، خصوصاً تلك المرتبطة بـ «القاعدة»، مثل «حركة الشباب». وقد يكون الاعتبار في ذلك، أن هذا الإرهاب لا يزال محصوراً في القارة الأفريقية، فيضرب في الصومال والجوار الكيني والأوغندي. ولا يرى العرب مرة أخرى أن الإرهاب الصومالي قد يصل إلى ديارهم ويضرب كما حصل لسابقه الأفغاني الذي ضرب في البلدان العربية قبل أن يستوطن إحداها، في اليمن.
مقتلة نيروبي محاكاة لـ «غزوتي» سبتمبر، بما هي استهداف لمدنيين في مواقع عمل وتسوق، بذريعة محاربة دولة كفر وقتل كفار. وكرر، حتى الآن، التعامل العربي والإسلامي مع هذه المقتلة ما كان صدر من تبريرات بعد استهداف «القاعدة» للولايات المتحدة. ومرة أخرى لم يتوقف العرب والمسلمون عند النتائج التي أدت إليها «الغزوتين» من تدمير للعراق واستثمار في إيران لإرهاب «القاعدة»، ذات المرجعية السنية.
عبدالله اسكندر/«غزوة» نيروبي
12
المقالة السابقة