تتسم الحالة السورية، على كل مستوياتها المحلية والإقليمية والدولية، بتعقيدات لا نهاية لها تجعل من أطروحة التوصل «لحل سلمي للصراع» لغزا يحتاج هو نفسه إلى حل.
فثمة ستة حروب تشتعل، على الساحة السورية، تشنها ست فئات تحارب كل واحدة منها حربا فئوية خاصة بها، ذات أهداف متناقضة في كثير من الأحيان مع أهداف الفئات الأخرى حولها، ونعددها:
فثمة قوات بشار الأسد تساندها قوات حزب الله من لبنان وقوات شيعية عراقية تعمل، بإمرة إيران، إلى جانب قوات إيرانية رسمية وشعبية. هذه تعمل على إدامة حربها على سوريا أطول مدة ممكنة، علها تخلق، بامتدادها الزمني، فرصا إضافية تمكنها من الاستمرار أو ربما العودة لظروف ما قبل سنة/2011. وهي تعلم أن هدفها ذلك صار مستحيلا، في ضوء ما ألحقت من تدمير بسوريا، شعبا وإمكانات ودورا سياسيا، عربيا وإقليميا ودوليا.
كما أنها، بسبب ممارساتها وطريقة تشكيلها وأهدافها الآنية والبعيدة، صارت قوة طائفية، بالدرجة الأولى، لا تختلف عمن حولها من أعداء متحاربين كثيرين لا يجمع بينهم شيء سوى مقاتلة من يصدف أن يكون امامهم على الجهة الأخرى من الخندق.
لكنها تتميز عن كل الفئات المتحاربة حولها في أن حلفاءها، مثل إيران وروسيا، صاروا يدعمونها، سياسيا، مع الدول الغربية المناهضة؛ وعسكريا، بإضعاف خصومهم ودمغهم بالإرهاب وخطرهم على سوريا وعلى المنطقة والعالم ووجوب محاربتهم.
وقد نتج عن ذلك التخلي عن المعارضة السورية الحقيقية بمنع السلاح عنها أو بدعمها في مواجهة قوات الأسد المنظمة، وخاصة منها «جيش سوريا الحر» الذي يكاد يقف وحيدا في الميدان تحاربه، من جهة قوات الأسد؛ وتعطل عليه، من جانب آخر، بل وتحاربه، وتضعف الثقة به، ثلاث فئات غريبة على سوريا وشعبها هي دولة العراق الإسلامية-القاعدة؛ والجهاديون السلفيون؛ وجبهة النصرة، التي تجد تشتبك، جميعها، بحروب عبثية تشنها على طواحين هواء، خاصة بها، تعمل على هزيمتها لصناعة تاريخ لم يعد العرب، بشكل خاص، مستعدين للقبول به أو حتى بحث تفاصيله.
لقد دمرت سوريا، بسبب كل ذلك، تدميرا يكاد يخرجها من السياسة وحتى الجغرافيا. ألا يرى المتحاربون أن ما يجري هناك ليس سوى حرب إسرائيلية حقيقية تدمر فيها إسرائيل بلدا عربيا هاما من غير أن تخسر جنديا واحدا؟
ومع كل ذلك، فما زلنا نؤمن بإمكانية الحل السلمي الذي ننتظر أن نراه يمشي على قدمين. ترى متى؟ وأين؟ هل سيكون مشروعا شبيها بما كانت قدمته الجامعة العربية في ربيع 2011؛ ويكون قابلا للبحث والتطوير في مؤتمر جنيف2 حينما يعقد.
أم سيأتي على شكل تدخل عربي/إسلامي، لتوحيد قوى المعارضة السورية، في جبهة واحدة ذات تفكير متشابه؟ كيف؟ هل يقوم الوسطاء بمحاولات إقناع جبهة النصرة ودولة العراق الإسلامية والمجاهدين السلفيين، بسحب مقاتليهم من سوريا كلها، وترك الأمر للجيش الحر لتوحيد كل الصفوف؟
لو حدث مثل هذا، وهو ممكن، فإنه سيسقط أحلام نظام بشار الأسد، مما سيسهل عليه وعلى أنصاره التخلي عن مشروعهم المستحيل بإخضاع سوريا لهم.
مشروع الحل السلمي لن يكون مقنعا ما لم يبدأ، فليبدأ.
فالح الطويل/الحل السلمي للصراع في سوريا
19
المقالة السابقة