الناس في العالم وخصوصاً في العالم العربي يعرفون التطورات التي وضعت الحرب – الأزمة السورية في صدارة اهتمام المجتمع الدولي وتحديداً أميركا وروسيا الساعية بدأب لاستعادة موقع الشريك لها في زعامة العالم. ففي 21 آب الماضي استُعملت الأسلحة الكيميائية في سوريا وأسقطت مئات الضحايا من المدنيين ومن كل الأعمار. واتُهِم النظام بالجريمة فأرسلت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق في صحة الاستعمال المذكور فقط، وحرّكت أميركا أسطولها في المتوسط استعداداً لتنفيذ ضربة عسكرية محدودة توجع النظام السوري، وأظهر الرأي العام الأميركي بغالبيته رفضه تجدُّد التورُّط العسكري لبلاده في المنطقة. وشاركته مواقفه غالبية الشعوب في أوروبا وخارجها. وتصاعد التحدِّي بين معسكر الضربة ومعسكر رافضيها، وخشي الكثيرون أن تتسبب الضربة بتفجير المنطقة. لكن الرئيسين الأميركي والروسي أوباما وبوتين نجحا في التوصل الى تفاهم يفترض أن يقفل تماماً ملف الأسلحة الكيميائية السورية، وأن يفتح الباب واسعاً أمام حل تفاوضي للحرب – الأزمة في سوريا، يتوصل اليه أطرافها برعاية موسكو وواشنطن وسائر العواصم الكبرى المهتمة.
الا أن ما يجهله العالم بما في ذلك العالم العربي الآن تعبّر عنه الأسئلة الآتية:
1- هل سينفذ “الاتفاق الكيميائي” أم سيتعطَّل تنفيذه؟ والسؤال مشروع في ضوء عودة روسيا الى تبني موقف الأسد المُتِّهم المعارضة والتكفيريين في بلاده باستعمال الأسلحة الكيميائية. وهو مشروع أيضاً لأن الخلاف عاد أو قد يعود الى مجلس الأمن بين روسيا من جهة وأميركا وحلفائها من جهة أخرى عند مناقشته تقرير لجنة التحقيق “الكيميائي” في سوريا، وتحديداً عند البحث في القرار الذي سيصدر عنه حول الموضوع نفسه. ذلك أن دولاً أوروبية تريد أن تُدخِل الفصل السابع من شرعة الأمم المتحدة في القرار في حين ترفض روسيا ذلك. ولم يصدر عن أميركا موقف حاسم ونهائي في هذا الأمر، ربما لأن اتفاق وزير خارجيتها كيري مع زميله الروسي لافروف نص على اللجوء الى الفصل السابع اذا لم تنفذ سوريا الأسد الاتفاق وليس قبل ذلك.
2- ماذا يحصل اذا تعطَّل التنفيذ مثلما تعطَّل تنفيذ قرار “جنيف – 2″؟ هل تُقرِّر أميركا تنفيذ الضربة العسكرية المحدودة التي قررتها سابقاً ثم جمّدتها؟ وماذا تكون ردود الفعل الروسية والسورية والايرانية و”الحزب الإلهي” على الضربة؟
3- هل تسمح أميركا للأسد، بعد تجميد الضربة وانطلاق البحث في “الحلول السلمية” للكيميائي وللحرب – الأزمة، بالعودة الى تنفيذ أولويته وفي الافادة من تفوقه العسكري ومحدودية تسلُّح الثوار وانقساماتهم الكثيرة لاستعادة ما خسره من جغرافية سوريا أو معظمها؟ أم تفرض عليه الانكفاء بواسطة غضِّ النظر عن تزويد الثوار كل ما يحتاجون اليه من سلاح؟ وذلك أمر يمكِّنهم من اقامة توازن جدي معه ومن العودة الى تقدُّم بطيء على الأرض ولكنه ثابت.
4- ماذا ستكون انعكاسات “الاتفاق الكيميائي” الروسي – الأميركي على الصراع المزمن بين أميركا وايران وخصوصاً على الملف النووي للأخيرة؟ علماً أن اشارات ايجابية حول هذا الأمر تبادلتها واشنطن وطهران في الأيام القليلة الماضية. وهل تتطور الاشارات المذكورة الى حوار جدي وربما تفاهم، وان بعد مرحلة صعبة وطويلة من التفاوض اذا سلك “الكيميائي” طريق التنفيذ؟ وهل تعود المواجهة بين الدولتين الى احتدامها المزمن والمتجدد في حال فرط اتفاق الكيميائي؟
طبعاً لا أحد من المتابعين يزعم أنه يمتلك أجوبة عن الأسئلة المطروحة أعلاه، علماً أن أصحاب القرار المعنيين في المنطقة وفي العالم لا يدَّعون امتلاك اجوبة عنها بدورهم. لكن واحداً من هؤلاء، وهو جدي وعتيق يعلّق على كل ما جرى بعد استعمال “الكيميائي” بالآتي:
– لم يكن الرئيس أوباما يريد التورط عسكرياً في منطقة يحاول ومنذ أكثر من أربع سنوات انهاء تورط سلفه جورج بوش الإبن فيها، هذا فضلاً عن أن التقويم لشخصيته داخل بلاده وخارجها يشير الى أنه ليس “حربجياً”.
– صُدِم الرئيس أوباما يوم خذل مجلس العموم البريطاني حليفه وصديقه رئيس الوزراء كاميرون ورفض الاشتراك في توجيه ضربة عسكرية الى سوريا. وخاف أن يحصل ذلك له في الكونغرس.
– تنفيذ الضربة المحدودة لنظام الأسد سيدفعه الى الهجوم بكل اسلحته على الثوار لضرب التوازن بينه وبينهم، وهو يستطيع سحقهم بسبب قلة تسليحهم.
سركيس نعوم/ما هي انعكاسات تنفيذ “الكيميائي” أو سقوطه؟
20
المقالة السابقة