لا اكتشاف خارقاً في القول إن الحصول في قطاع غزة على الحاجات الضرورية لاستمرار الحد الأدنى من الحياة يرتبط ارتباطاً عضوياً بمصر، ما دام احد لا يستطيع ان يجبر الحكومة الاسرائيلية على رفع حصارها عن الغزيين. هذه البديهة حولها قادة «حماس» الحاكمون في القطاع الى مصدر لكل انواع الاشكالات مع القاهرة، على نحو ادى ببعض الناطقين باسم الحركة في القطاع الى ان يزيحوا حال العداء الى مصر وان يركزوا تحريضهم على السلطة المصرية الانتقالية.
لقد خلطت قيادة «حماس» في القطاع بين معطيات الجغرافيا والمصلحة وبين الانتماء الايديولوجي، من دون اي حساب للثمن الذي يدفعه سكان القطاع من جراء هذا الخلط الذي يعتبر من الاخطاء السياسية الكبيرة التي لا يزال يرتكبها قادة «حماس» في القطاع، مع علمهم ان ارتداداتها ستكون سلبية جداً على الغزيين وعلى تأمين حاجاتهم الضرورية.
لا يكفي لتبديد هذا الخلط اصدار نفي للاتهامات الخطيرة التي توجهها السلطات المصرية لـ «حماس» بالتدخل في الشأن المصري من خلال الانحياز الى جماعة «الاخوان المسلمين» سياسياً، والى جناحها العسكري بتدريب اسلاميين على عمليات تفجير والمشاركة احياناً في عمليات عسكرية ضد القوات الحكومية في سيناء. ونظراً الى الطابع الرسمي لهذه الاتهامات، يُفترض بالحركة الاسلامية ان تقدم للسلطات المصرية كل ما يمكن ان تطلبه من معلومات وتحقيقات من اجل قطع الشك باليقين. الأمر الذي لم تفعله «حماس» ولم تبد حتى استعداداً للبحث فيه.
وهذا يعني ان قيادة الحركة في القطاع، او بعضها على الاقل، يتواطأ مع المسلحين المتشددين الذين يحاولون الانتقام من السلطات المصرية في سيناء، او ان هذه القيادة لا تدرك الاهمية الاستثنائية التي توليها السلطات المصرية للاستقرار في سيناء وللامن فيها. وفي الحالين ترتكب الحركة خطأ كبيراً ازاء العلاقة مع القاهرة.
ويتحول هذا الخطأ الى مقتل عندما تعتبر «حماس» ان في وسعها تكرار تجربة العداء الذي اعتمدته كسياسة ازاء حكم الرئيس السابق حسني مبارك، معتمدة على عمق استراتيجية كان يوفره النظام السوري وايران و «حزب الله» وبعض الدعم الخليجي. اما اليوم فإن هذه الحلقة ضعفت كثيراً بعد ان فرطت عقدة مهمة فيها بفعل التطورات السورية، وبفعل الانحسار الايراني و «حزب الله» نحو الشأن السوري وبدء حركة التردد في الخليج ازاء جماعة «الاخوان المسلمين» وفروعها العربية.
وفي الوقت الذي كانت تفرض التغيرات العربية على الفسطينيين مزيداً من التقارب نحو اكتمال المصالحة، اندفعت «حماس» في اتجاه تأزيم الوضع مع السلطة في الضفة الغربية، عبر اجراءات آحادية لاحكام سيطرتها على القطاع وعبر عرقلة الخطوات الاجرائية المتفق عليها. وتعتبر القاهرة ان مصالحها تتضرر وان نفوذها يضرب في مقدار ما تبتعد المصالحة الفلسطينية، الامر الذي تتهم «حماس» بافتعاله، من غير ان تقدم على اي خطوة تبدد هذا الاتهام السياسي.
وقبل هذه وتلك، اتهمت «حماس» بتحويل القطاع الى قاعدة خلفية لجماعة «الاخوان» المصرية وايضاً نموذجاً لها في مصر، عبر استيلاء الاسلاميين على مواقع وقرى والدفاع عنها بالسلاح وتطبيق ما يعتبرونه احكاماً اسلامية. بعدما لعب عناصر في الحركة دوراً في مهاجمة سجون مصرية واطلاق اسلاميين يتواجهون حالياً مع القوات المسلحة المصرية في سيناء وغيرها من المناطق.
وبغض النظر عن الرابط الايديولوجي بين «حماس» وجماعة «الاخوان»، لم يعد الانحياز في الصراع الداخلي المصري مجرد موقف سياسي، وانما بات جزءاً من مواجهة دامية في مصر. وهذا ما تفعله «حماس» حالياً.
عبدالله اسكندر/«حماس» ومصر
21
المقالة السابقة