الاتفاق الروسي – الأميركي الذي تم في جنيف أثبت أن الجانب الروسي والنظام السوري اعترفا بأن ما حصل في ٢١ آب (اغسطس) هو استخدام الأسد وجماعته السلاح الكيماوي ضد شعبه. ولهذا السبب اقترح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على نظيره الأميركي جون كيري أن يتم وضع السلاح الكيماوي تحت المراقبة الدولية على أن يدمر.
الاتفاق أخاف البعض من أن ثمة صفقة تمت بين الجانبين للعودة إلى التعاون مع النظام السوري. إلا أن كلام كيري، في مؤتمره الصحافي مع نظيريه الفرنسي لوران فابيوس والبريطاني وليام هيغ في باريس كان واضحاً: «أن الأسد فقد أي شرعية تخوله حكم بلاده»، وأن فرض ضرورة قبول فتح المواقع الكيماوية للمراقبة الدولية على النظام السوري هو أيضاً إدراك من الجانب الروسي أن الأسد لا يمكنه أن يستمر، وأن الموقف الروسي في هذه المفاوضات مع الجانب الأميركي هو لاستعادة روسيا بوتين دور على الساحة الدولية.
إن المخاوف من أن يكون كيري اتفق مع لافروف على إنقاذ نظام الأسد دولياً كانت مشروعة، نظراً إلى تردد موقف اوباما وضعفه وتشوشه، إذ إنه اتصل بحليفه الفرنسي فرانسوا هولاند واتفق معه أنهما سيقومان بضربة على سورية، ثم عاد ويتصل به في اليوم التالي ويتراجع ويقول سأطلب موافقة الكونغرس ثم يتم تأجيل التصويت لإعطاء الفرصة لديبلوماسية كيري مع لافروف. إن تردد أوباما وتغيير موقفه هو إحراج لرئيس فرنسي انتهج موقفاً صامداً وصلباً إزاء معاقبة الأسد على الجريمة الكيماوية.
إن التشويش الذي خلقه أوباما في تغيير رأيه وتردده يؤدي أيضاً إلى الشعور بمخاوف من تغيير رأيه والملل من القضية السورية والقبول بإعادة الدور إلى النظام الحالي في سورية. ولكن كل المعلومات تقول بعكس ذلك، إذ إن المطلعين على الملف في الغرب مقتنعون بأن إدارة أوباما لن تساوم على موضوع بقاء الأسد. والمشككون بمواقف أوباما يقولون إنه قد يكون توصل إلى صفقة مع الجانب الروسي تبقي الأسد إلى الانتخابات المقبلة في ربيع ٢٠١٤ وألا يترشح، وهكذا يخرج من اللعبة السياسية في سورية من دون أي معاقبة ويبقى محمياً من الجانب الروسي.
إن ما ظهر من محادثات كيري في العاصمة الفرنسية ليس كذلك، لكن من يستطيع التكهن بتطور موقف الرئيس الأميركي الذي لم يعد أحد يثق بثبوته وصلابته لكثرة تردده وتراجعه. وأوباما الآن مهتم بالحوار مع الجانب الإيراني وهو يتبادل الرسائل مع الرئيس الإيراني لأنه مهتم بحل الملف النووي من دون ضربة عسكرية اسرائيلية- اميركية. وإيران حليف فاعل لسورية على الأرض، إذ إن «الحرس الثوري» ووكيله اللبناني «حزب الله» يقاتلان على الأرض إلى جانب النظام السوري لحمايته، كونه ورقة لمصلحة إيران. ولا بد أن إيران ستستخدمها عندما يبدأ الحوار فعلا مع الولايات المتحدة، مثلما كان يفعل باستمرار النظام السوري مع الغرب في استخدامه ورقة لبنان و «حزب الله».
في هذه المرحلة الدقيقة من المحادثات الدولية لإصدار قرار من مجلس في شأن الكيماوي السوري، ثمة مخاوف مشروعة من سياسة أوباما. وحبذا أن تتحدث الدول العربية علناً عن مثل هذه المخاوف. إن الأيام المقبلة ستُظهر ما إذا كان الموقف الأميركي هو التخلي والتراجع أمام الموقف الروسي أم أن مشروع القرار سيصدر تحت الفصل السابع الذي ينبغي أن يطبق تلقائياً. ولكن للأسف الشديد كل ذلك يعطي المزيد من الوقت لاستمرار الأسد في قتل شعبه وتخييره بين بقاء النظام أو الفوضى والتطرف، وهو النهج الذي يتبعه والفخ الذي نصبه لغرب يخاف من التطرف.
رندة تقي الدين/مخاوف مشروعة من موقف أوباما
15
المقالة السابقة