الكباش الدولي حول الأزمة السورية الذي تصاعد تدريجاً ليبلغ ذروته بعد الهجوم الكيماوي على غوطة دمشق قبل شهر، انتهى الى توافق على تفكيك الترسانة الكيماوية السورية في ختام مفاوضات بين وزيري خارجية اميركا وروسيا، خرج بعدها الطرفان في تصريحات مباشرة او عبر تسريبات وسائل اعلامهما لتنازع «الانتصار» الذي تحقق، ونسبته اما الى موسكو وإما الى واشنطن، مع تأكيد الطرفين ان لا حرب باردة بينهما بل تعاون وتكامل.
لكن قراءة بسيطة لما تحقق او يفترض ان يتحقق خلال الشهور المقبلة توضح ما اذا جرت معركة فعلاً بين الجانبين، وما اذا كان هناك «انتصار» او «تنازلات»، وما هي النتائج الفعلية لمفاوضات جنيف، ومن يكذب.
وللإجابة عن هذه الأسئلة فلنعد قليلاً الى ما كان عليه الوضع قبيل الهجوم الكيماوي: جيش الأسد يستخدم طوال سنتين ونصف السنة الطيران والصواريخ العابرة ومدفعية الميدان الثقيلة في ضرب قوات المعارضة وقصف المناطق التي تسيطر عليها، من دون تمييز بين عسكر ومدنيين، ملحقاً دماراً هائلاً بالمدن والبلدات والقرى والبنى التحتية والمنازل والمستشفيات وكل ما ارتفع عن الأرض، ومحققاً تقدماً ميدانياً في بعض المناطق بدعم من حلفائه الإيرانيين واللبنانيين.
أما في جهة المعارضة، فكان المقاتلون يستخدمون القليل المتيسر من السلاح والكثير من العزم في عمليات كر وفر لإحداث ثغرات صغيرة او كبيرة في جدران أمن النظام، على أمل بأن يتكرم الغرب يوماً بمنحهم وسائل قتالية تساعدهم على مواجهة تفوق سلاحي الطيران والصواريخ، او ان يقتنع بإقامة مناطق حظر جوي لحماية المدنيين على الأقل.
وفي الجانب الدولي، مواقف متضاربة: الغرب وحلفاؤه يتهمون نظام الأسد بجرائم حرب وضد الإنسانية ويؤكدون انه فقد شرعيته ويدعونه للرحيل، وروسيا وحلفاء دمشق الآخرين يتهمون المعارضة بجرائم مماثلة ويؤكدون ان اصولييها اكثر خطراً على الغرب من النظام. لكن الطرفين لم يفعلا شيئاً ملموساً لوقف الحرب وإنهاء المأساة، بل على العكس ساهما في إطالتها.
ثم فجأة حصلت الضربة الكيماوية. انتفض العالم الغربي بألم لصور الضحايا، وقرر انه لا بد من رد. حشد الديبلوماسيون عدتهم في المحافل الدولية، وبدأت البوارج الأميركية تتقاطر على شرق المتوسط. ورد الروس بحشد بحري مماثل. وبدأت مبارزات اعلامية واتهامات وتحذيرات متبادلة، ووقف العالم على اعصابه ينتظر بدء معاقبة الأسد، قبل ان يتهاوى الزخم شيئاً فشيئاً مع انسحاب بريطانيا وقرار اوباما انه بحاجة الى تأييد اميركي داخلي قبل الإقدام على عمل عسكري، الى ان جاءت «زلة لسان» جون كيري وإسراع سيرغي لافروف الى اطلاق «المبادرة» استناداً إليها، مثلما يحلو للصحف الأميركية والروسية ان تردد بلا خجل من قرائها.
أما نتيجة كل هذه المعمعة فكانت الاتفاق على «تحييد» العامل الكيماوي السوري الذي طرأ على مسار الاقتتال الأهلي وعكّر صفو المراقبة الدولية المشتركة له. والمهم الآن ان تستأنف المنازلة السورية طريقها وأن لا تخرج مجدداً عن «المألوف» او تهدّد نيرانها بالامتداد من «الخيمة السورية» الى الجوار، وخصوصاً الإسرائيلي، ولا مانع في ان تستمر الى اجل غير منظور، طالما بقي اطرافها قادرين على إذكاء شعلتها، لأنه لا مانع من الأساس في ان يموت الذئب ويفنى الغنم معاً.
اتفق الأميركيون والروس في جنيف، مباشرة او مداورة، على العودة الى مرحلة ما قبل استخدام الكيماوي، وهم يلهون العالم اليوم بالمعركة الوهمية في مجلس الأمن حول الفصل السابع. الروس يكذبون على السوريين والأميركيون يكذبون على حلفائهم، والروس والأميركيون معاً يكذبون علينا جميعاً.
حسان حيدر/روسيا وأميركا: من يكذب على من؟
23
المقالة السابقة