فخامة الرئيس فلاديمير بوتين رئيس جمهوريات الاتحاد الروسي المحترم
أستأذنك في تجاوز البدايات التقليدية لمخاطبة الرؤساء والملوك والأمراء والانتقال مباشرة إلى القضايا الجوهرية التي أود طرحها في رسالتي هذه الموجهة لفخامتكم وكلي أمل في أن تجد ما تستحقه من تفهم، خاصة وأنها لا تعبر عن رأي فرد ولا تعكس توجهات جماعة أو فئة أو طائفة أو حزب بل تحاول ــ وبكل أمانة وصدق وتجرد ــ أن تنقل إليكم فخامة الرئيس نبض الشارع العربي على امتداده واتساعه وأن تضع أمامكم الصورة كما هي بأبعادها السياسية وبألوانها الطبيعية وبحجمها الحقيقي. نفعل ذلك لأن المشاعر الإنسانية يصعب نقلها بأقمار التجسس ويستحيل حسابها بأجهزة الحاسوب.
السيد الرئيس
دعني أعبر لكم عن تقديري العظيم وتقدير آخرون لجهودكم لتجنيب سورية الحبيبة ضربة عسكرية أمريكية قد تكون ماحقة ساحقة نتيجة لاستخدام الرئيس بشار الأسد وجهازه العسكري للسلاح الكيماوي ضد الشعب السوري المطالب بالحرية والكرامة وحقه في اختيار نظام حكمه. إنكم تعلمون فخامة الرئيس بأنها ليست المرة الأولى التي أستخدم فيها السلاح الكيماوي ضد معارضي حكم بشار الأسد. كان يستخدم على نطاق ضيق وبين فترات متباعدة كي لا يثير انتباه القوى الدولية المحرمة لاستخدام هذا النوع من الأسلحة الفتاكة، وكانت مذبحة غوطة دمشق في 21 من الشهر الماضي كارثة إنسانية بكل معنى الكلمة لأن ضحاياها كانوا من المدنيين أطفالا ونساء وشيوخا وشبابا كما شهدت بذلك الصور لميدان المعركة.
السيد الرئيس:
لست في حاجة لأؤكد القول بأنه ليس في عالمنا العربي من يريد معاداة الاتحاد الروسي كنظام وكشعوب أو استعدائه وليس هناك من يعادي الولايات المتحدة الأمريكية شعبا ونظاما، ولكن الذي يمكن أن يخلق العداوة ويولد المرارة هو خطأ الممارسات وازدواجية السلوك السياسي وتجاهل الحقائق وجنوح السياسة نحو التسلط والتشدد والذاتية وفرض الأمر الواقع علينا نحن العرب دون أدنى اعتبار لحقوقنا في الحرية وكرامة أمتنا المهدرة ودون أي اهتمام بمعاناتنا القاسية وطموحاتنا المشروعة.
نعلم سيادة الرئيس أنكم دولة عظمى في هذا الكون تملكون أضخم ترسانة نووية في العالم وأن لكم مصالح ومن حقكم الدفاع عنها ولكن لنا نحن العرب مصالح ومن حقنا الدفاع عناها، ومصالحنا ليست بالضرورة متناقضة مع مصالحكم، وحتى بفرض وجود مثل هذا التناقض فإن معالجته ممكنة ومتاحة بالتنازلات المتبادلة وليس بالضغط والقمع والقهر ولي الذراع.
السيد الرئيس:
إن انحيازكم الواضح والصريح للرئيس بشار الأسد وتحاملكم الواضح على الشعب السوري والسكوت عن معاناته تحت حكم لم يترك وسيلة ذبح إلا واستخدمها خاصة السلاح الروسي المتطور. إن ذلك التحامل والعداء للشعب السوري من قبلكم لا يحتاج إلى أدلة. تعلم سيادة الرئيس أنه ليس بين العرب عامة والشعب السوري خاصة والاتحاد الروسي ومن قبله الاتحاد السوفيتي أي عداء لأنكم لم تحتلوا أي قطر من أقطارنا ولم تغِر جيوشكم بما تملك من أسلحة متطورة على سيادة أي دولة من دولنا وليس لنا ثأر معكم ومع أسلافكم بل كان بعضنا حليفا لكم. تعلم جيدا أن أسلافكم (ميخائيل غورباتشوف، ووزير خارجيته إدوارد شيفرنادزه) باعوا العراق عام 2003 بثمن بخس لصالح الإمبريالية الأمريكية رغم اتفاقية الصداقة بين الاتحاد السوفيتي والعراق، وأنتم سيادة الرئيس بوتن تبيعون الشعب السوري العريق بثمن بخس لصالح نظام لن تكتب له الحياة الطويلة وستكونون من الخاسرين.
السيد الرئيس فلاديمير بوتن:
في اتفاقكم الإطاري الذي وقع في جنيف بالأمس القريب بين وزير خارجيتكم السيد لا فروف ووزير خارجية أمريكا السيد كيري بمقتضى ذلك الاتفاق بعتم بأبخس الأثمان حليفكم بشار الأسد لصالح إسرائيل عن طريق نزع سلاحه الرادع “السلاح الكيماوي” الذي تملك إسرائيل ترسانة ضخمة لن تستخدم إلا ضد الدول العربية وغدا ستواصلون نزع الأسلحة الصاروخية البلاستية من الجيش السوري برغبة أمريكية إسرائيلية رغم أن إسرائيل تملك جبخانة عالية من أسلحة الدمار الشامل بكل أنواعه بما في ذلك أكثر من 200 رأس نووي.
كنا نتمنى أن يكون نزح السلاح الكيماوي السوري وتدميره بالتوازي مع نزعه من إسرائيل وتدميره وإجبار إسرائيل ـــ إن كنتم مخلصين لبشار الأسد ونظام حكمه والسلم الدولي ـــ على توقيع اتفاقية حذر انتشار السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل.
أعود سيادة الرئيس إلى الوضع السوري فأقول لو كنتم تحرصون على الشعب السوري وجعله رصيدا لكم في قادم الأيام على مشارف البحر الأبيض المتوسط لمنعتم النظام السوري الظالم لشعبه من استخدام طائرات الميج والسوخوي والنابالم، والقنابل الفسفورية والانشطارية والبراميل المتفجرة من استخدامها ضد الشعب ومنعتم عنه استخدام الصواريخ البلاستية أيضاً وكل هذه الأسلحة من إنتاجكم في روسيا.
اعلم سيادة الرئيس أن مسألة الشيشان مابرحت عالقة في أذهانكم وأنكم في عام 2005 توعدتم بالويل والثبور والملاحقة في كل مكان للتيار الإسلامي “السني” لأنه في اعتقادكم يناصر مطالب الشعب الشيشاني في حقه في تقرير المصير لكن يجب أن تعلم أن ثوار سورية اليوم ليسوا كلهم من المسلمين وإنما يتكونون من كل الملل والديانات القائمة في سورية فلماذا العداء لشعب سورية العربي.
أما أفغانستان وما حدث بها معكم فكنتم دولة احتلال في نظر البعض من المجتمع الدولي، وكان من حق الأفغان مقاومة ذلك الاحتلال والاستعانة بمن يعينهم والحق سيادة الرئيس أن العرب ليسوا كلهم مع ما أصابكم في أفغانستان ولا دخل لنا به وتصفية حسابكم مع أمريكا يكون في خارج وطننا العربي وليس على ترابنا وعلى حساب شعوبنا.
سيادة الرئيس بوتن:
لتعلم جيدا أن أمتنا العربية بتاريخها وموقعها وإسهامها المتميز في مسيرة الحضارة الإنسانية غير قابلة للموت والفناء، وهي دائما تحمل في أعماقها مقومات الحياة والنهوض والانطلاق رغم ما يبدو على السطح أحيانا من مظاهر ضعف وانحلال.
أخر القول: نحن أمة لن تموت ولن ننسى من يعادينا ويساند أنظمة عربية ظالمة لشعبها أو أي قوة أجنبية.
وتقبلوا تحيات مواطن عربي كان من دعاة تقوية الروابط وتعظيم المصالح بين الشعب العربي وشعوب الاتحاد الروسي.