في طريقه الى جنيف قرأ جون كيري بالتأكيد مقال فلاديمير بوتين في “نيويورك تايمز” الذي يتهم المعارضة السورية باستخدام الكيميائي، محذراً من ان “استعمال القوة في سوريا خارج مجلس الامن سيشكل عملاً عدوانياً من شأنه ان يزعزع الشرق الاوسط”!
بعد هذا الكلام الذي يمثّل بداية محبطة لمحادثات كيري وسيرغي لافروف حول المبادرة الروسية الكيميائية، جاء تصريح بشار الاسد كصفعة مستأسدة موجهة الى باراك اوباما عندما قال: “حين نرى اميركا تريد فعلاً استقرار المنطقة وتتوقف عن التهديد بالسعي الى الهجوم وعن تسليم الاسلحة الى الارهابيين، عندها سنعتبر انه في إمكاننا المضي في عملية وضع الكيميائي تحت اشراف دولي”، لم يشر الى تدمير هذه الترسانة واعتبر انه يتجاوب مع رغبة بوتين ولا ينصاع الى تهديدات اوباما!
امام هذا تبدو الصورة قاتمة ليس بالنسبة الى اوباما الذي يضعه الاسد تحت الامتحان، ويملي عليه شروطاً تطالبه بوقف دعم المعارضة ويا للسخرية، بل بالنسبة الى ما قد تصل اليها عملية تسليم الترسانة الكيميائية وتدميرها. فرغم تقديم دمشق طلب الموافقة على الانضمام الى معاهدة منع الاسلحة الكيميائية، ليس هناك ما يؤكد او يضمن ان العملية ستصل الى نهايتها فعلاً، وخصوصاً بعدما تبين ان موسكو تريدها مدخلاً الى حل على قاعدة “جنيف – 1” الذي لا يشير الى نهاية حكم الاسد!
في المقابل لا معنى لتكرار التلويح الاميركي باستعمال القوة اذا فشل الاقتراح الروسي، ولا للتذكير بان البوارج ستبقى “مستعدة لضرب سوريا بقوة”، لأن الكونغرس والرأي العام الاميركي يعارضان الضربة، وبالتالي ستكون هناك تداعيات سلبية ليس على هيبة اوباما كرئيس ضعيف ومتردد تهوّر في اطلاق التهديدات، ثم ابتلعها مختبئاً وراء الكونغرس، بل على هيبة اميركا وعلى مصالحها في المنطقة والعالم، فلقد كان مهيناً ان يتعامى اوباما عن المذابح السورية وعن سقوط اكثر من مئة الف قتيل وتشريد الملايين، وكان معيباً ان يمنع بعناد يقرب من التآمر تسليح المعارضة، وكان فاضحاً ان يلوّح بالعصا التي تبين انها تشبه تلك القذائف الكاذبة التي سبق ان اطلقتها نيوجرسي في لبنان ومن ينسى؟
ظل اوباما يهدد على مدى اسبوعين بأن صدقيته وصدقية اميركا والمجتمع الدولي على محك “الضربة المحدودة” [ويا للمسخرة] “وإن لم نفعل شيئاً ضد الاسد ستضعف قوة الردع الدولية”، لكن قمة المسخرة ان يعلن البيت الابيض الآن “ان صدقية روسيا وهيبتها وسمعتهاعلى محك مبادرة تسليم الترسانة الكيميائية”. والواقع ان صدقية اميركا وروسيا والامم المتحدة والمجتمع الدولي في الوحل والعار، لأن الجميع مهتمون بالاسلحة التي قتلت لا بالضحايا الذين قتلوا… فادفنوا قتلاكم وليسلم القاتل مسدسه ويسلم!