هناك كثير من الدراسات والكتب والمؤتمرات تناولت موضوع المجتمع المدني في دول الخليج العربي بالبحث والتحليل، حتى أن بعض الدراسات قد أشارت إلى أن هناك أكثر من 10.000 جمعية ومؤسسة خاصة بالمجتمع المدني تعمل بدول الخليج المختلفة، ولكن مع اندلاع ثورات الربيع العربي ودعم دول الخليج العربي لتلك الثورات من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، برز التساؤل الملح من قِبل الكثيرين، والذي يتمحور حول: هل لدى الدول الخليجية ذلك السقف العالي الذي يسمح بالحرية وحرية والرأي؟
ولكن في البداية لنتعرف على هوية مصطلح المجتمع المدني الحقيقية، حيث تبنى البنك الدولي تعريفاً للمجتمع المدني قام بصياغته عدد من المراكز البحثية الرائدة، حيث: “يشير مصطلح المجتمع المدني إلى المجموعة واسعة النطاق من المنظمات غير الحكومية والمنظمات غير الربحية التي لها وجود في الحياة العامة وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية أو ثقافية أو سياسية أو علمية أو دينية أو خيرية. ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة عريضة من المنظمات، تضم: الجماعات المجتمعية المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، وجماعات السكان الأصليين، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات المهنية، ومؤسسات العمل الخيري”.
لقد حدثت تطورات كبيرة في الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين قادت إلى تغييرات هامة في خارطة مجتمعات الكثير من الدول أفرزتها المطالب الشعبية المتزايدة، وبما أن دول الخليج العربي هي جزء لا يتجزأ من العالم العربي، فإن ذلك التغير الذي حدث كان لابد له من أن يؤثر بطريقة مباشرة أو غير مباشرة على دول الخليج العربي خاصة مع الانتشار الواسع للإعلام الجديد الذي رفع سقف حرية الرأي حتى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي منصات مدنية تتحدث بكل حرية.
فالجمعيات والمؤسسات المدنية بدأت في دول الخليج العربي منذ زمن ليس بقصير، ولكن ظل يغلب عليها إما طابع المؤسسات الخيرية أو الجمعيات التي تهتم بالأسرة والمرأة والطفل، أو تكون بمثابة مؤسسات ذات نفع عام تقوم الحكومات بطريقة غير مباشرة بدعمها، وذلك في ظل انعدام أو حظر أو صعوبة تأسيس الأحزاب والنقابات والاتحادات والجمعيات السياسية والمهنية، باستثناء الكويت، ولكن غالبية دول الخليج العربي مازالت تفرض قيودا مشددة وتضع عقبات كثيرة أمام قيام مؤسسات مجتمع مدني مستقلة عن حكوماتها ومنسجمة مع المقاييس الدولية، وذلك كون دول الخليج العربي دولا ريعية تعتمد اقتصاداتها على النفط، مما يخول الحكومات التحكم بشكل كبير في مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية للسكان.
وبعيدا عن التركيبة السياسية والقبلية والسكانية لدول الخليج، أو التأثيرات الإقليمية التي حدثت منذ الثمانينيات بدءًا بحرب العراق وإيران، واجتياح الكويت وحرب الخليج، وحرب أفغانستان، والحرب ضد الإرهاب، حتى وصلنا إلى محطة ثورات الربيع العربي، فإن كل هذه العوامل يجب أن لا تقف حائلا أمام تطور المجتمع المدني أو تكون سببا لإبطائه، لأنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية فاعلة دون وجود مؤسسات مجتمع مدني تساهم وتشارك في بناء الوطن. فمن أجل بلورة رؤية مستقبلية واضحة المعالم لدولنا، فإنه لا بد من إزالة كافة المعوقات والصعوبات والمخاوف إزاء بناء مجتمع مدني خليجي فاعل ومشاركة ديمقراطية بناءة، وهنا لا بد من الطرفين، الحكومات والشعوب الخليجية، أن يعملا على وضع وتطوير خارطة طريق لبناء مجتمع مدني أكثر فاعلية، حيث إننا بحاجة إلى بيئة تشريعية مناسبة تتمكن من خلالها الدول الخليجية من سن القوانين التي تواكب التطور السريع الذي يحدث على كافة أصعدة الحريات والحقوق المدنية في المجتمع الدولي، حيث أن كل الحكومات الخليجية قد وقعت على كثير من الاتفاقيات الدولية الخاصة باحترام حقوق الإنسان، كما أنه لا بد أن يكون هناك وعي مجتمعي غير نفعي، وإعلام وطني يشارك في عملية تعزيز الوعي القانوني بأهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في حياتنا كشعوب خليجية حرة تتطلع دوما إلى التطور والارتقاء بدولها إلى مصاف الدول الأكثر تقدما.