ما زال استاذي الدكتور ناصر الدين الأسد مستمرا في لمعانه وعطائه كقطعة الألماس التي تتوهج تحت الشمس وتعكس لمعانها حتى حين يخبو الضوء.. فقد اخترق العقد التاسع من عمره المديد وها هو يتلقى جائزة جبران خليل جبران.. القامة العالية في الثقافة العربية والغربية على حد سواء فالغرب يعرف من المثقفين المعاصرين العرب شخصيتين بارزتين جبران خليل جبران وادوارد سعيد..
لا أضيف معرفة أو تعريفاً بالاستاذ الكبير ناصر الدين الأسد حين أكتب عنه ولكننا ما زلنا كتلاميذه من الجامعة الأردنية وخارج أسوارها نتفيأ ظلال شجرته الباسقة في المعرفة والأدب والفكر والشعر واللغة.
فالأسد ناصر الدين شجرة باسقة جذرها الطيب في الأرض وأغصانها في السماء ما زالت تطرح اكلها الطيب بإذن الله في عشرات الكتب والمؤلفات والدراسات العميقة والجليلة التي تتلمذ عليها أكثر من جيل من الأردنيين والعرب قبل نشوء الجامعة الأردنية ومع نشوئها على يده حين كان أول رئيس لها ويكاد يكون الطالب الوحيد الذي نال درجة الامتياز من الدكتوراة عن بحثه الأصيل في الشعر الجاهلي من عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين فقد ارتبط الفوز باسم أردني منذ ذلك الحين وما زال الأسد علماً من أعلام الأردن المميزين بل يكاد أن يكون الأكثر تميزاً حين تكون المقارنات انسانية وفكرية وأدبية..
للكتابة عن الأسد مهابة تشبه المهابة التي تحدث عنها أحمد شوقي في مدح الرسول (ص) في قوله:
«أبا الزهراء قد جاوزت قدري بمدحك بيد أن لي انتسابا».
ولعل تكوين شخصية الدكتور ناصر وعمق جذورها وتنوع مكوناتها ودور الأب والجد فيها ومرافقة والده للهاشميين والعمل معهم منذ زمن الحسين بن علي وطلب فيصل الأول لوالد الدكتور ناصر الأسد أن يأتي للعمل معه وقدومه من القاهرة الى الحجاز فالعقبة ليكون قائم مقام ومديرا للمكوس (الجمارك) وكون والدة الأسد لبنانية ووالده من مواليد حلب وقد أقام في حماة قبل أن ينتقل إلى شرق الأردن مع تأسيس الامارة.. كل هذه العوامل صاغت صورة الأسد وهويته وانتماءه وحبه للعربية وتفانيه في خدمتها وتحبيب الأجيال لها..
من يقرأ حياة الدكتور ناصر الأسد يدرك عمق المكونات الأردنية وتنوعها وعمق صهر هذه المكونات في اطار حكم الهاشميين فالروافع الأردنية منوعة وأصيلة وهي التي تكسب هذه الشجرة الأردنية طيب ثمرها وروائحها وزكاة عودها..
احتفي بتكريم استاذي الأسد مرة أخرى قد يكون هذا التكريم الخمسين من جوائز علمية مميزة على جهد هائل في مسيرة انجاز ما زالت مستمرة ونشعر نحن تلاميذه جميعاً بأننا نكرم من خلاله فقد «تباهينا» به وبعلمه وبما استطعنا أن نحتفظ من تأثيره فينا ولو بالقدر المتواضع الذي تمكنا..
عشرات الكتب التي تحمل اسم الأسد (ناصر الدين الأسد) لا يستطيع باحث تجاوزها في موضوعها ولا يستطيع مهتم الا أن يقتنيها ليقرأ ماذا يكتب الأسد وماذا يقول الأسد وما هو رأي الأسد..
كان مدرسة في الحوار والتسامح والانفتاح والتأصيل والدقة والموضوعية والحرص وقد شهد له بذلك كبار الاساتذة والمفكرين والباحثين الذين أسبغوا على اسمه القاباً عديدة تليق به وترتقي لأسمه..
وأخال الدكتور ناصر الدين الأسد الذي لم ينصف ممن لا يعرفون فضله أكثر زهواً بهذه الجائزة وتأثراً بها من جوائز سابقة قد تكون فاقتها.. لأن هذه الجائزة أرادت أن تشير الى أن هذه القمة الشامخة من الأدب والثقافة والمعرفة ما زالت خضراء حية ومعطاءة وستكون روح جبران خليل جبران حيث ولد في قرية بشري من ضياع لبنان مرتاحة لأن الجائزة جاءت ممن يحافظون على تراثه في استراليا لتحط بين يدي الأسد في عمان تقديراً له فالعبقرية لا تعترف بالجغرافيا وانما يسكن تأثيرها السماء وما زالت اللوحات التي رسمها جبران خليل جبران تزين جدران البيت الأبيض وما زال أدبه يحتل حقبة عربية بدأت مع مرحلة الاستقلال ومعاناة المغتربين من أهل الشام إلى المنافي وها هي الأجيال المغتربة في استراليا تقدم جائزة جبران تقديراً للأسد أطال الله عمره..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/جبران يكرم الأسد.. فيكرم المعرفة والوفاء
12
المقالة السابقة