تنحبس أنفاسنا هذه الأيام نحن العرب في انتظار مصيبة إضافية تزيد طينتنا بلة ونحن في حالة لا تحسدنا عليها الأمم الأخرى بعد سلسلة من المصائب لعلها بدأت في تاريخنا الحديث مع نكبة فلسطين عام 1948 واستمرت بانقلاب العسكر العربي لأول مرة في سوريا بالذات على أيدي الجنرال حسني الزعيم الذي استولى على الحكم في 30 مارس 1949 واعدا العرب بتحرير “كل شبر من أرض فلسطين!” وأودع القوتلي والعظم السجون وبعده أصابت العدوى مصر فانقلب الجنرال محمد نجيب والبكباشي جمال عبدالناصر على الملك فاروق يوم 23 يوليو 1952 وتم إلغاء الأحزاب والمنظمات المدنية وتم تعليق الديمقراطية وأبعد الملك إلى إيطاليا و أعلن الضباط الأحرار عن قرب تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وتحرير العرب بل وتوحيدهم من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر كما كان ينشد الشاعر السوري العروبي سليمان العيسى رحمة الله عليه وانتهت الناصرية بشنق المفكر المسلم سيد قطب طيب الله ثراه ثم بكارثة الهزيمة النكراء على وقع الانتصار الوهمي للعرب في صوت العرب على لسان أحمد سعيد. وبعد هاتين الثورتين اللتين جمع بينهما أنهما قام بهما عسكر شاركوا في حرب فلسطين عام 48 و لعلهم كانوا عن حسن نية وسلامة طوية حين تخيلوا أن باستطاعتهم حين يحكمون أن يصنعوا المعجزات و أدرك الناس الطيبون في دمشق والقاهرة بعد حين بأن إنجازات الثورات لم تتجاوز تحويل ألقاب الباشا من البرجوازي إلى الضابط فأصبح الضابط وحتى الجندي البسيط يلقب بالباشا عوضا عن فؤاد سراج الدين باشا أو طلعت حرب باشا أو طه حسين باشا عميد الأدب العربي ووزير المعارف في عهد فاروق ذلك الرجل القمة الذي عوضه في وزارة المعارف ضابط اسمه حسين كمال على ما أذكر.
هكذا بدأ العد التنازلي في حضارة العرب وأسس الغرب دولة إسرائيل تكفيرا عن ذنوب النازية وتوج انحدار العرب بهزيمة الخامس من يونيو (جوان) عام 1967حين أصم القادة العرب أذانهم عن نصائح حكيمهم و أكبرهم سنا الزعيم بورقيبة فجاءت الحرب الخاطفة وخسر العرب لا فقط طائراتهم بل أغلب أراضي فلسطين وأراضيهم التي ما يزال أغلبها محتلا إلى يوم الناس هذا! ولنستمر في تعداد المصائب العربية نذكر بانقلاب عبدالكريم قاسم في العراق عام 1958 حيث قتل الملك فيصل ورئيس حكومته نوري السعيد وآل بيته وسحلوا في شوارع بغداد ثم جاء بعد ذلك من انقلب على الانقلابيين وقتل عبد الكريم قاسم وسحله إلى أن تواصلت سلسلة الانقلابات في سوريا والعراق واليمن وليبيا ونال لبنان نصيبه من مصائب العرب (بعد أن كان لبنان سويسرا الشرق!) بحرب أهلية انتهت بجلاء الفلسطينيين عن لبنان واستقرارهم في تونس في ضيافة الرجل الوحيد الذي صدقهم و نصحهم في خطاب أريحا في 11 مارس 1965 وجاءت حرب رمضان فنال المصريون نصف انتصار لأن إسرائيل كانت ستحتل مصر من الكيلومتر 101 على مشارف القاهرة. وهكذا دواليك وعلى نخبك يا وطن كما كان يقول غوار الطوشي الذي عذبته المخابرات العربية بالكهرباء فقال: عجبا يا عرب وصل التيار الكهربائي إلى رجلي ولم يصل إلى قريتي بالشام!
على مدى ستين عاما أصبح التعذيب ظاهرة عربية والقتل والاغتيال والنفي والتشريد كذلك ظاهرة عربية. ستون عاما ونحن نرى صورة بورقيبة على أوراق الدينار التونسي ونرى صور القذافي بلباس غريب مضحك في المحافل الدولية محاطا بحارساته الفاتنات ونرى حسني مبارك يضحك ملء شدقيه مع شارون وأولمرت وناتنياهو في شرم الشيخ ونرى علي عبدالله صالح يصرخ: فاتكم القطار فاتكم القطار! وفي الحقيقة أن القطار فات العرب أجمعين و جاءت حرب العراق بعد أن احتل صدام حسين الكويت و جاء تدخل حلف الناتو في ليبيا ثم اعتقدنا أن مصر بلغت شاطئ النجاة في انتخابات أوصلت مرسي إلى سدة الرياسة و يا خيبة المسعى ثم ها نحن ننتظر ضربة أمريكا وفرنسا لسوريا بعد أن استعمل الكيمياوي ضد الأبرياء في انتظار أن يقوم الجمهوريون بعد أوباما حين يصلون البيت الأبيض بضرب المفاعلات النووية الإيرانية.
إننا بصدد مشاهدة إعادة تقسيم المنطقة بمعاهدة سايكس بيكو الجديدة الأمريكية هذه المرة على قياس المصالح الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية في لحظات غفلة العرب ونحن لم نتساءل بعد كيف سنتقبل ضرب سوريا؟ وهل سيستقر حكم سوريا بعد الضربة؟ ومن الذي سيتولى أمر سوريا وبحماية من؟ وما مصير الجماعات المسلحة المقاومة التي صنفها الغرب في خانة الإرهاب؟ كيف سيكون حال العرب بعد أسابيع بنفطهم وغازهم وثرواتهم المودعة في بنوك الغرب ونخبهم المثقفة والمعارضة الموزعة في عواصم الغرب؟ وقد نسينا على ما يبدو أن جامعة دولنا العربية أنشأها ملوك العرب في 19 مارس 1945 ووضعوا في ميثاقها بندا سموه الدفاع العربي المشترك يلزم الدول العربية بدخول الحرب إذا ما اعتدي على إحداها نصرة للشقيق وذلك قبل ميثاق الأمم المتحدة و قبل حلف الناتو وأين عرب اليوم 2013 من عرب الأمس بل ماذا سيبقى من العرب بعد أن أوصلنا أنفسنا إلى هذا الحضيض فانظروا حالة شعب مصر التي ستطول كما يبدو بين عسكر يقول إنه يحمي الشعب وشعب يقول إنه يحمي الشرعية! وفي تونس كيف سنخرج من حالة إغماء سياسي بين نخب نصف حاكمة ونخب نصف معارضة لا يرى واحد منها إلا انتصاره في الانتخابات القادمة ولم يعد واحد منهم يسأل نفسه إذا ما ضربت سوريا بذنب أو بدون ذنب من يمنع عنا غدا في تونس ضربة ناتو إذا ما هددت سفارة أو تواصل إرهاب. رب عفوك وسترك وعزيز رحمتك بعبادك الغافلين.