تعلمت في الحوارات الكثيفة التي أدارها اعضاء اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني عام 1991 أن الديموقراطية هي الرافعة أو الحامية الاساسية للأمن الوطني وازداد يقيني بذلك على مر الأيام ومع أن لجنة الميثاق الوطني دعت وعملت في تلك المرحلة التي الغيت فيها الاحكام العرفية على الغاء أو تعديل قانون محكمة أمن الدولة ورد اختصاصاتها الى المحاكم المدنية الا أنها لم تنجح ولم تنجح الجهود التي اعقبتها من جانب اكثر من جهة وهيئة ومنظمة وحزب وحتى البرلمان..
اليوم يأخذ الأردن هذه الخطوة بمبادرة ملكية وذلك بتعديل قانون «أمن ادولة» وحصر اختصاصاتها في جرائم خمس هي التجسس والخيانة والمخدرات وتزييف العملة وهي جرائم لا يختلف أردنيان عليها وعلى ضرورة أن تتصدى أمن الدولة لها في حين تنسحب هذه المحكمة القاسية عن مساحات واسعة من حياة المدنيين وجرائمهم لصالح المحكمة المدنية ودولة المؤسسات والقانون المأمول أن ترسخ اركانها بهذا القرار..
استغرب ان تظل ردود الفعل المحلية من جانب الحزبيين والمفكرين والمثقفين والسياسيين وقادة المجتمع والقانونيين والحقوقيين متواضعة أمام هكذا قرار غاية في الأهمية والخطورة لما يعول عليه من متغيرات تسمح للاصلاح بكل اشكاله وخاصة السياسي أن يعبر إلى مساحات أوسع وأن يعبر عن نفسه أكثر بعقبات أقل..
يبدو أن الظرف الذاتي (الاقتصادي والاجتماعي والسياسي) وكذلك الظرف الموضوعي لما يحيط بنا من تحديات جسيمة وتهديدات ملموسة فرضتها الحالة السورية وردود الفعل العالمية عليها وما تقدمه هذه الحالة من تطورات مفجعة قد فرضت نفسها على جو التوجيه الملكي.. ولكني اعتقد أن على الكثير من المهتمين بعملية الاصلاح في بلادنا أن يتوقفوا عند هذه الخطوة وأن يعظموها ويستثمروها بالشكل اللائق الذي يمكن البناء عليه وعلى مؤسسات المجتمع المدني والنقابات والأحزاب وحتى المعارضة وهي التي اشتكت مع قطاعات واسعة من شعبنا من سطوة محكمة أمن الدولة على هذه التكوينات الاجتماعية والسياسية أن يكون احتفاؤها بالحدث يتناسب مع حجم نقدها السابق وشكواها المستمرة ليكون العمل خالصاً لوجه الوطن وتطوير اساليب تقدمه..
اين الحقوقيون والمحامون المتخصصون ليكتبوا في هذا ويناقشوا هذا ويدللوا على أهمية هذا ان كانوا معنيين باستكمال عملية الاصلاح وصيرورتها والوصول بها إلى أهداف أفضل..
لا يكفي أن يعلق النواب على هذه الخطوة التي أحدثها التوجيه الملكي وهو التوجيه الذي استشعر ضرورة ميزة الموقف الاردني في هذه المرحلة الهامة والحساسة من تطورات الوضع العربي واعراض ما يجري فيه ففي الوقت الذي تغلظ أنظمة وحكومات القوانين وتعيد انتاج الاحكام العرفية والمحاكم العسكرية وتفرض منع التجول وتضيق على الحرمات العامة وتعطل صناديق الاقتراع وفي الوقت الذي تقاتل فيه أنظمة دكتاتورية شعوبها لمنعها من المشاركة واخضاعها بلغة الموت والبارود ويحدث ما يحدث في سوريا وفي غيرها..في هذا الوقت يذهب الاردن باتجاه استكمال البنى الاصلاحية ويفتت من طريق الاصلاح صخرة كانت تغلق بعض مساربه ليصبح الطريق سالكاً..
نظامنا لا يرى في «أمن الدولة» حماية للشعب وارادته ومصالحه فالجميع ضد التجسس ويجب انزال اقصى العقوبات بمثل هذا السلوك وفي المحاكم العسكرية وكذلك المخدرات التي تفشت والتي لا بد من تغليظ العقوبات على فاعلي جرائمها بالترويج والاستعمال والاتجار وكذلك تزييف العملة الوطنية الذي يؤدي الى انهيار الاقتصاد الوطني وتشويهه..
بموازاة تحديد اختصاصات قانون امن الدولة فإن المطلوب تفعيل عمل المحاكم المدنية وحمايتها بمزيد من التشريعات الانسب والاحدث وتسريع التقاضي وتمكين الادارات من النهوض بعملها على قاعدة ان القضاء المستقل هو القضاء الحامي والحارس وان العدل هو أساس الحكم ولذا فإن المطلوب أن يكون لدينا قضاء ناجز مستقل متطور فاعل وان نتخلص والى الابد من الصبغة العسكرية لمحاكمنا وما تعطيه فالعالم أصبحت شريعته الاساسية حقوق الانسان وما يستلزمها من قوانين ديموقراطية ومشاركة..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/«أمن الدولة»..
17
المقالة السابقة