بعد قتل النساء والأطفال بواسطة آلة تدمير النظام في سوريا، ورصد أكثر من 120 ألف قتيل سوري ناهيك عن أعداد الجرحى والمصابين، وما يقرب على المليونين سوري يعيشون في مخيمات اللاجئين، وتدمير كل شيء تقريبا في سوريا من ماضيها وحاضرها، فهل سنرى في القريب نورا من الأمل يشع في نهاية نفق الأزمة السورية؟
خلال الأسبوعين الماضيين، وبعد أن استخدم النظام السوري أسلحة كيميائية في الهجوم على الغوطة بريف دمشق ووصول عدد القتلى إلى ما يقارب 1429 شخصا بينهم 426 طفلا، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية تتحدث عن ضرورة توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وتم إحالة طلبات التفويض باللجوء للخيار العسكري إلى برلمانات تلك الدول حيث تحفظت بعضها، ولكن كان الإصرار باتجاه التحرك العسكري على أشده من قبل كل من الرئيس الأمريكي بارك أوباما والفرنسي فرانسوا هولاند، حتى بات من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لا محالة عازمة على شن هجوم عسكري، ولكنه محدود، على مواقع وأهداف حيوية للنظام السوري، ولم يكن لدى المتابع للشأن السوري أدنى شك وقتها من أن الضربة العسكرية الأمريكية قد أصبحت قاب قوسين أو أدنى.
إلا أن منحى هذا الحديث قد تغير في الأيام الأخيرة وأصبح الاتجاه نحو شن عمل عسكري أوسع نطاقا، وهو ما لا نعتقد بإمكانية تحقيقه، لأن أمريكا لا تسعى إلى إسقاط نظام بشار الأسد بأي حال، بسبب خشيتها من احتمالية تصاعد الصراع وتوسيع نطاق الحرب التي ربما تطال إسرائيل، هذا بجانب خشيتها من أن تؤول إدارة شؤون سوريا إلى أيدي أطراف من القاعدة أو جماعة النصرة، ولذلك فإن تدخل الولايات المتحدة عسكريا في سوريا لم ولن يكون من أجل إسقاط النظام أو لإيقاف نزيف دماء السوريين، وإنما بسبب امتلاك النظام السوري للسلاح الكيميائي ومن أجل تحقيق توازن على الأرض بين جميع الأطراف المتصارعة، رغم أن القتل هو القتل مهما تعددت الأسلحة والطرق والوسائل، فعدد السوريين الذين ماتوا خلال العامين الماضيين أكثر بكثير من العدد الذي راح ضحية ما حدث في الغوطة.
وبعد أيام من تصويت مجلس العموم البريطاني ضد التدخل العسكري في سوريا، أعلن وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ أن بلاده باتت مستعدة لإجراء محادثات مع إيران في شأن سوريا، وملتزمة بالتوصل إلى حل سياسي في هذا البلد، وأنها تعمل من أجل عقد مؤتمر السلام في جنيف.
لقد أراقت الأزمة السورية ما يكفي من دماء أبنائها الغالية، وكانت التضحيات الجسام التي قدمها الشعب السوري في مواجهة نظام مستبد ودموي مدعوم من دول إقليمية ودولية، في سبيل الوصول إلى أهدافه السامية المبتغاة، وهي الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، غالية الثمن، وبعد أن تعقدت المسالة السورية نتيجة تداخل أطراف مختلفة متشابكة المصالح في ظل إرهاصات الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية، فإنه لم يعد هناك من سبيل سوى حل سياسي باستخدام الضغط العسكري، أي أنه لا بد من استخدام الضغط العسكري من أجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية، وأن يكون هذا الحل ملزما لجميع الأطراف داخليا وخارجيا. فالجلوس على طاولة الحوار لا يمثل استسلاما أو ضعفا لأي من الطرفين، ولكنه ضرورة – اقتضتها تطورات الأزمة – من أجل الحفاظ على دماء السوريين، حيث إن الوصول بكتلتي النزاع إلى نقطة في منتصف الطريق خير من الوقوف على قارعته دون أمل.
ويبقى أمام المجتمع الدولي والدول العظمى مسؤولية أخلاقية تتطلب حماية الشعب السوري، لأن الأزمة السورية تكبر على الأرض كل يوم، وإن لم يتم تداركها في الحال فسوف تحرق الجميع بلا استثناء، فعلى الأطراف الداخلية والخارجية أن لا يفوتوا على أنفسهم هذه الفرصة النادرة لإيقاف آلة القتل وإراقة الدماء، حتى لا يصل بهم الحال في نهاية المطاف إلى تقسيم سوريا، أو أن تصبح سوريا دولة بلا مكونات الدولة، أو دولة بدون شعب.