الحرب الأهلية في سوريا مرشحة للخروج من أيدي السوريين والعرب أجمعين بعد أن بدأت إستعدادات أمريكية و فرنسية لشن ضربات محدودة للرد على ما لم يتأكد بعد من إستعمال بشار الأسد للسلاح الكيمياوي و ها هو الرئيس أوباما يطلب من الكنغرس تفويضه لشن هذا الحراك العسكري و سمعنا المسؤولين السوريين يستعدون للضربة و يعلنون أنهم قادرون على صدها و نحن نتساءل كيف سيكون التصدي بينما نحن العرب ظللنا نراوح مكاننا منذ قرون الغزوات ولم ندرك أن القوة العسكرية الأمريكية هي في الواقع غواصة تحت البحار تطلق صواريخ تصيب أهدافها بدقة جراحية ولا يتجاوز هامش الخطإ بعض أمتار.
الحالة المصرية تتأزم يوما فيوم بلا بصيص نور إنفراج بعد أن إستقبلت زنزانات سجن طرة محمد مرسي ورفاقه وودعت محمد حسني مبارك و أعوانه و سقط الضحايا في الشوارع بالرصاص في عملية سريالية أغرب من الخيال قد لا تقع إلا في العالم العربي و لم يستمع العسكر لنصائح الغرب بأن يتجنب القضايا القضائية والإيقافات على مجرد الإنتماء للإخوان أو الشبهة أو خطاب ألقي في الساحات و أن يلجأ عبد الفتاح السيسي لتضميد الجراح لا تأجيج الأحقاد في بلاد عربية ذات حضارة و رسالة و مستقبل ودور ريادي في المنطقة و في العقول.
أما الوضع العراقي فهو يتدهور بدون هدنة و بلا بوصلة لتعميق مشروع تقسيم وتقزيم العراق فلا الحكومة قادرة على بسط الأمن ولا معارضوها تقدموا بمشروع إنفراج و لم يستعد العراق عافيته بعد الذي جرى بدءأ من استبداد حاكم على مدى أربعة عقود توج حكمه بحرب نازفة طويلة مع إيران وانتهاء باحتلال أمريكي دمر دولة كانت تبشر بالقوة و المناعة بفضل كوادر عز نظيرها في العالم العربي وبفضل طاقة نفطية وافرة و مرورا باحتلال بعثي للكويت قضى على ما تبقى من وحدة وطنية. واليوم لا يمر يوم والعراق فيه دمار و تقتيل طائفي أو مستورد من الأجوار و الأبعاد وذوي المصالح العاجلة.
وفي ليبيا علت أصوات الإنفصاليين على أصوات المنادين بدولة مركزية قوية لأن جراح أربعين عاما من اللا نظام القذافي و سنتين و نصف من ربيع بلا ثمار ولا أزهار ظلت تنزف على قعقعة السلاح الثقيل الذي لم يرجع لمخازنه وبقي جله عند القبائل تصفي به حساباتها القديمة التي كنا نعتقد أنها ملت مع الزمن و ارتدت مع هذا الجيل الجديد.
وفي تونس تتفاقم أزمة الشرعية الهشة المثيرة للجدل لكن لا يوجد وطني عاقل يعوضها باللاشرعية والأمل في أن تبقى الحالة التونسية تحت السيطرة ورهينة حوار بدأ ينتظم بفضل أحزاب مسؤولة ومنظمات مدنية و نقابية واعية وشخصيات تجمع بين الكفاءة و الأمانة وهي جميعا صمامات أمان إزاء أقليات سياسية وأيديولوجية تسعى لتفجير الشوارع وترويع الأمنين و تخوين الوطنيين وهؤلاء موجودون في كل التيارات لا تخلو منهم جماعة لأن التطرف يبقى أداة من فقد الإقناع و من إنفض من حوله الناس فيلجأ لإثارة النعرات الفوضوية والغرائز العدمية وهي على كل حال حلول اليأس من صناديق الإقتراع لأن هذه الصناديق وحدها إذا ما اتسمت بالأمانة و الشفافية هي التي تفرز النخبة المؤهلة للقيادة إلى حين وهي التي تسمح بالتداول السلمي الأهلي على مواقع القرار و السلطة لا الشوارع التي تبقى مجالا للإختراق و التلاعب من جهات مشبوهة و أياد خفية نعرف كيف تحول وجهات الرأي العام و تغير مجاري الأنهار السياسية . أما عن مظاهر الإرهاب فقد ظلت بحمد الله محاصرة و هامشية رغم أبعادها الإقليمية الحقيقية وظاهرة الإرهاب في تونس نشأت بسبب إمتدادها من السبعينات في أفغانستان ثم لبنان ثم مالي و أحداث غزو العراق و ظهور السلفية الجهادية التي لا تتقيد بتعريف واضح لأنها جمعت شبابا غضا رافضا لمنظومة السياسة و نمط الحضارة كما تعلمناهما نحن في الغرب ومن الغرب. فتكاثرت ساحات الوغى وانخرط فيها شبابنا المهمش فحمل السلاح في العراق و في سوريا و في مالي كما حمل السلاح من قبل في أفغانستان.
هذه ملامح الوضع العربي بإيجاز و اختزال. طيب ! و لو جربنا نفك الخيوط الرابطة بينها جميعا لاستشراف مستقبل العرب. هنا لا مناص لي من أن أستحضر ذكريات شخصية لأني عندما كنت في الثمانينات ماسكا ببعض خيوط السلطة في تونس كان يزورني السفير الأمريكي الدبلوماسي الذكي (بيتر سيبستيان) وهو مستعرب كلفته الإدارة الأمريكية بعد مغادرة منصبه بتونس بملف الإسلاميين في العالم العربي إذن كان هو ولسنوات عديدة المهندس الحقيقي و المقتدر للسياسة الأمريكية في التعاطي مع الإسلام السياسي العربي و كان (سيبستيان) يدرك موقعي المقرب من رئيس الحكومة أنذاك صديقي محمد مزالي و كان يقرأ إفتتاحياتي على صحيفة العمل لسان الحزب الحاكم و كنت رئيس تحريرها وكان يريد في كل مقابلة إقناعي بالتحاور مع الإسلاميين و بالفعل كنا نحاورهم في السر بل نخرجهم من سجون بورقيبة لنستمع اليهم و كان (بيتر سيبستيان) يقول لي لو إنخرط الإسلاميون في السلطة سيتغيرون وربما فشلوا فتسقطهم الديمقراطية ! أنا أستعيد هذه الحوارات مع الدبلوماسي الأمريكي ( قبل 30 عاما) بعيون الحاضر و أقرأها ببصيرة الواقع الراهن فأقول: إن الأحداث بدأت تثبت لي أن السياسة الأمريكية في تعاملها مع الإسلام السياسي لم تنظر سوى لمصالح أمريكا وبالطبع لمصالح التفوق الإسرائيلي فقط ولعلنا جميعا تغافلنا عن مصالحنا نحن و انسقنا وراء بريق الكراسي فتحققت مصالحهم و ضاعت مصالحنا. لكن اليوم أفيقوا معي واعتبروا يا أولي الألباب لأن المركب العربي يمخر عباب بحر هائج في إعصار مائج.