يذهب باراك اوباما إلى قمة العشرين بعد إصابته في الأزمة السورية. لا يكفي ليشعر بالعزاء أن ينظر إلى ديفيد كامرون الذي أصيب هو الآخر في سورية. وأغلب الظن أن الارتباك سيعاوده حين يصافح رجب طيب أردوغان الذي كان ينتظر الضربة واثقاً من حصولها ومتكهناً حول تاريخها. أردوغان أصيب هو الآخر في سورية.
لن تكون المصافحة ممتعة بين سيد البيت الأبيض وقيصر الكرملين. لقد تلذذ الثاني برؤية الأول يرتبك أمام حقل الألغام السوري. بالغ فلاديمير بوتين في الصيد في بركة الدم السورية. ذهب بعيداً في مجلس الأمن وكذلك في حمص. الطائرات التي تدمي المعارضة والبلاد هي طائراته. والسيف الذي يشل مجلس الأمن هو سيفه. حقق الجاسوس السابق حلماً قديماً. إنه الثأر من أميركا التي دمرت الاتحاد السوفياتي من دون أن تطلق رصاصة. من أميركا التي طوقت الاتحاد الروسي بالدول التي هاجرت إلى حلف شمال الأطلسي ورادارات الدرع الصاروخية.
الفارق كبير بين الرجلين. يبدو أوباما في صورة أكاديمي يرصّع خطبه بالمشاعر الإنسانية والمبادئ الكبرى. انتخب لإعادة الجنود الأميركيين من حربين منهكتين رافقتهما أزمة اقتصادية طاحنة. وربما يريد الاكتفاء بهذه الصورة أمام التاريخ مضافاً إليها الأمر الذي أصدره بقتل أسامة بن لادن وفوزه بجائزة نوبل للسلام. يمكن أن نضيف إلى ذلك خيبته من «الربيع العربي» والأهوال التي ظهرت بعد سقوط المستبدين.
في المقابل، يبدو الكولونيل السابق في الـ «كي جي بي» حاملاً مشروعاً للثأر. الثأر لبلاده وجيشها وسلاحها وصورتها وقدرتها على حماية حلفائها بغض النظر عن سجلاتهم. إنه صاحب الكلمة الأخيرة في ديموقراطية ذات أنياب بعدما نجح في تطويع كل المؤسسات بلا استثناء فضلاً عن رجال الأعمال. تجربته في سحق التمرد الشيشاني أكسبته قدرة على التعايش مع الدم والاصطياد فيه.
اغتنم بوتين الأزمة السورية لتسديد اللكمات إلى سيد البيت الأبيض. أقفل في وجهه مجلس الأمن وتلاعب بروح مؤتمر جنيف ليكشف محدودية القدرة الأميركية. لم يترك لأوباما غير خيار إرسال الجيش لاقتلاع النظام السوري، وهو ما لا يريده الرئيس الأميركي، فثمن التدخل العسكري في سورية باهظ، والبدائل المحتملة للنظام تثير المخاوف. هكذا بدا أوباما أمام العالم رخواً ومتردداً وراغباً في الابتعاد عن الحريق السوري، متناسياً ما قاله عن فقدان الأسد شرعيته.
تعايش أوباما مع نهر الدم المتدفق على الأرض السورية. حظه سيء. مجزرة الكيماوي ذكّرت العالم بحديثه السابق عن «الخط الأحمر». طرحت بقوة أسئلة عن الدور القيادي لبلاده وصدقية تعهداته. وقع في الامتحان الذي طالما حاول تفاديه. وحين حبس العالم أنفاسه منتظراً انطلاق الصواريخ، رمى أوباما قنبلة الضربة المحدودة وطلب التفويض من الكونغرس. خيَّب حلفاءه وخيب المعارضة السورية.
وقع العالم في انتظار المواعيد الجديدة. من التسرع الاعتقاد أن أميركا انكفأت تماماً. إذا اقتنع الكونغرس باتهامات الإدارة للنظام السوري باستخدام الكيماوي ومنح أوباما التفويض، سيكون الرئيس أقدر على شن عملية أكثر إيذاء لنظام الأسد من تلك التي كان سيشنها بلا تفويض. لقد ألزم الرئيس نفسه بمعاقبة النظام السوري. فوزه بالتفويض سيساعده على تخطي «العملية التجميلية» لإرغام النظام على سلوك طريق جنيف. التفويض نفسه سيشكل رسالة إلى روسيا وإيران وحلفاء النظام السوري. أما إذا رفض الكونغرس تفويض الرئيس، فإن الأزمة السورية ستدخل مرحلة جديدة مختلفة. عجز اوباما عن التحرك سيطرح أسئلة عميقة وصعبة لدى حلفاء بلاده.
من حق المراقب أن يتساءل: هل يريد بوتين الانتقال من دور المعرقل إلى دور صانع الحل؟ وهل يستطيع توظيف التهديد الأميركي بالضربة للحصول من النظام السوري على ورقة تسهل التوجه إلى «جنيف-2»؟ وهل النظام السوري راغب في تقديم مثل هذه الورقة؟ وهل هو قادر؟ وهل يشعر بخطورة ما يمكن أن يواجهه؟ وهل يدرك أن ما بعد الكيماوي لا يشبه ما قبله مهما ارتبكت العواصم الغربية وتأخرت؟ وماذا عن ايران الحاضرة في الميدان السوري والقرار السوري؟
منذ مجزرة الغوطتين انشغل العالم بكلمتين، هما: الضربة وأوباما. في انتظار مناقشات الكونغرس سيتكرر اسم الرئيس الأميركي كثيراً. الخبراء يدعون إلى الحذر، يقولون إن اوباما ليس جورج بوش لكنه ليس الأم تيريزا أيضاً. إن اتجاه الأسابيع المقبلة في الأزمة السورية معلق بأوضاع رجل واحد اسمه باراك أوباما. أعرف أن المراهنين يقولون أوباما وأن الخائبين يقولون أوباما أوباما.