هناك فرصة متاحة أمام الأردنيين جميعاً؛ حكومة ومعارضة وقوى سياسية مختلفة، يستطيعون من خلالها التوافق على معالم المرحلة القادمة، بعد وقفة مراجعة جدّية من كل الأطراف لمسيرة الحراك الشعبي على الساحة الأردنية، الذي بقي محافظاً على السمة السلميّة الحضارية ولم ينزع نحو مزالق العنف والفوضى، وبقي بعيداً عن لغة الدم التي تغرق بها المنطقة من حولنا.
وزارة التنمية السياسية بمجيء د. خالد الكلالدة، الذي يحمل رؤية واضحة وبرنامجاً سياسياً، يقترب من نبض الشارع، ويسعى لمشاركة جميع القوى السياسية، عبر حوار جدي يسمح بسماع وجهات النظر المخالفة بحرية وصدر مفتوح، وهو ينتقد بشدة تلك الأصوات التي تدعو إلى إقصاء الإسلاميين وإبعادهم عن الساحة السياسية فضلاً عن ضربهم أو محاولة إضعافهم، ويتبنى الرأي القائل إنه لا يمكن تجاهل الحركة الإسلامية التي تعد مكوناً مهماً من مكونات المجتمع السياسي الأردني.
بذل الجهد في هذا السياق مطلوب، وأصبح ضرورة، في ظل زيادة حدة الانقسام بين الأطراف السياسية الأردنية، لأن هذا الانقسام يأتي على خلفية الأحداث الجارية في سوريا ومصر وليس على مضامين الإصلاح الوطني، وأستطيع أن أجزم بأن مساحات التوافق بين القوى السياسية واسعة وكبيرة حول النقاط الرئيسة والجوهرية في مشروع الإصلاح على الصعيد المحلي، سواء فيما يتعلق بقانون الانتخاب، أو تشكيل الحكومة البرلمانية، وقانون ضريبة الدخل، أو فيما يتعلق بالحريات السياسية واحترام كرامة المواطن وغيرها.
المزاج الأردني أكثر ميلاً نحو الاعتدال، ويملك الأردنيون تاريخاً طويلاً، وتراثاً سياسياً قائماً على التعايش المقبول والاستيعاب المتبادل، الذي يصلح أن يتم البناء عليه، وتطوير حالة التعايش السياسي والديني والاجتماعي، نحو بناء نموذج سياسي أردني متميز، أكثر تطوراً وأكثر حداثة و أكثر طموحاً وجديّة ،على طريق بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، القائمة على أسس المواطنة والتعددية السياسية الحقيقية.
الفرصة المتاحة تمتلك مقومات النجاح، إذا نجحت الحكومة بإقناع الأطراف السياسية بجدية الحوارات التي دعت إليها وزارة التنمية السياسية، وأنها ليست مجرد تكرار لحوارات سابقة، والتي استهلكت وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً ولم تثمر عن نتائج ملموسة تجد طريقها نحو التطبيق في أرض الواقع، كما أنها معنية بإظهار هذه الحوارات انها ليست ديكوراً فارغاً من المضمون، وليست ضرباً من ضروب التسلية؛ التي أصبحت محلاً لتهكم قوى المعارضة، ما يقتضي مجموعة من الأمور نرجو أن تكون محل نظر الحكومة:
أولها: ينبغي العمل بجدية على إعادة الثقة بين أطراف العملية السياسية؛ التي تم إضعافها إلى حد التلاشي والعدم، حيث أن انعدام الثقة يؤدي إلى جملة من العوائق أمام تقدم مشروع الإصلاح الوطني، ويؤدي إلى تفويت الفرصة على الشعب الأردني كله.
ثانيها: ينبغي الإفراج عن المعتقلين السياسين ، كعربون ثقة ومؤشر قوي على جدية الحكومة في توجهاتها وحواراتها، وعلامة بارزة على حسن نواياها ومصداقيتها، التي يجب أن تسبق الحوارات الداخلية مع القوى السياسية.
ثالثاً: العمل على بلورة رؤية واضحة لخريطة الطريق المستقبلية التي يتوافق عليها الأردنيون جميعاً من مختلف الأطياف والاتجاهات السياسية.
رابعا: الوضوح في المواقف والشفافية في المعلومات، والمصارحة المسؤولة مع قوى المعارضة فيما يتعلق بالقرارات السياسية المهمة، وفيما يتعلق بالتوجهات الاقتصادية.
خامسا: الوقف الفوري لحملات التحريض الإعلامي، ووضع حد لمنهج التشويه الذي تمارسه بعض الأقلام بخاصة فيما يتعلق بالمنابر الإعلامية العامة، التي تتبع القطاع العام .
سادسا: الاتصال بالقوى السياسية الجديدة والحراك الشعبي، والقوى الشبابية، وتوسيع قاعدة الحوار والمشاركة لتشمل شرائح أخرى مهمة لم تكن محلاً للاهتمام فيما سبق مثل أساتذة الجامعات، ونوادي الشباب والذهاب إلى المحافظات والمناطق البعيدة عن العاصمة.
أتمنى للوزير الجديد أن يحقق ثغرة مضيئة في هذا الجدار المعتم، وأن يتمكن من إحداث انفراجة معقولة في الأفق السياسي المدلهم؛ تشكل بارقة امل نحو تجاوز مرحلة الانقسام والتوتر والهواجس والقلق والترقب!!