فرغت من كتابة هذه السطور، ودفعت بها للنشر بعد ظهر يوم أمس، تحت ضغط دفق من الأنباء المتواترة عن أن الضربة الجوية المقررة ضد نظام الأسد قد تبدأ في ساعة متأخرة من ليلة الخميس/ الجمعة، الأمر الذي سيجعل من مثل هذا المقال، وغيره من التعليقات والمواد الإخبارية الأخرى في الصحافة الورقية، خارج نطاق اهتمام القارئ الذي سينصرف إلى عواجل القنوات الإخبارية والمواقع الإلكترونية، لمتابعة مجريات حرب يصم قرع طبولها الأسماع، داخل سورية وخارجها.وإذا كان هناك متسع من الوقت، وتأخر موعد الضربة المؤكدة ليوم واحد أو أكثر، فإن الترقب، وهو سيد الموقف، سوف يمد في صلاحية هذا المقال إلى آخر النهار، لاسيما أن فحوى النص تستبطن ما لدى المتلقين من أسئلة وتحسبات وهواجس، تدور حول الضربة الوشيكة، بما في ذلك النتائج المحتملة، والتداعيات المقلقة، لعملية عسكرية يعرف الجنرالات المخططون لها كيف تبدأ، بدون أن يكونوا على يقين تام بشأن كيف لها أن تنتهي.وفيما تُجمع كل التسريبات المتعمدة على أن هذه الضربة الجوية سوف تكون محدودة، فإن أحداً لم يقل لنا معنى هذا المفهوم النسبي للمحدودية، خصوصاً أن الحديث يدور عن ضربة مؤلمة، وذات أهداف منتقاة بعناية، قد تؤدي إلى خلق حالة من عدم السيطرة لدى جيش منهك، وزعزعة نظام حكم يقف على الحافة. وهي نتائج أحسب أنها متوخّاة سلفاً من قبل من توسلوا تحقيق أهداف ليست كلها معلنة، بما في ذلك تطويب هذه الضربة كنقطة تحول في مسار الأزمة الدامية.وبحسب ما هو معلوم لدينا عن المبادئ الموجهة للعقيدة العسكرية الغربية، فإن الحرب هي الحرب بكل ما في الكلمة من معنى، وأن المعركة إن لم تحرز انتصاراً كاملاً فهي هزيمة منكرة؛ وأنه من غير المسموح للعدو أن يستجمع قواه في المدى المنظور كي يعاود الكرّة، وذلك على نحو ما تجلى عليه الحال في العراق من خلال مبدأ الصدمة والرعب، أو ما يسميه الأميركيون بالضربة الساحقة أو سياسة المطرقة، الأمر الذي يستدعي فحص مفهوم الضربة المحدودة، والشك في صدقية التسريبات الملغّزة.وعليه، فقد تشتمل العملية الحربية التي تقودها الولايات المتحدة، على إظهار كل ما في مكامن القوة الأميركية من عوامل قوة، وأن يتم خلالها اختبار نجاعة أحدث التكنولوجيات العسكرية المطورة، وأن يجري فوق مسرحها الواسع استعادة مضاء قوة الردع الأميركية الهائلة، ليس إزاء النظام المتهالك على نفسه في دمشق، وإنما حيال حلفائه في طهران، ممن سيرون بأم أعينهم ماذا في ترسانة الدولة العظمى من جبروت عسكري يجدر بآيات الله تجنب الاصطدام معه، أو حتى مجرد التحرش به.أما عن التداعيات المحتملة، فليس من شك في أن قيادة هيئات أركان الجيوش المتحالفة الذين اجتمعوا في عمان وراء أبواب سميكة، قد درسوا كل السيناريوهات المتوقعة، ووضعوا في حساباتهم درء سائر المضاعفات المترتبة على تهور من هنا أو تفلت من هناك، بما في ذلك كبح جماح كل محاولة لتوسيع دائرة الحرب، أو نقل كرة لهبها إلى الجوار السوري، أو غير ذلك من الاحتمالات أو الصدف التي لا يتغاضى الجنرالات عن حدوثها، أو على الأقل أخذها بعين الاعتباراً قبلاً، ومن ثم احتواؤها.وأياً كانت الرسائل التطمينية المبثوثة عبر الفضاء؛ سواء لتهدئة روع ايران، أو للتهوين على روسيا تجرع مرارة هزيمتها الدبلوماسية، فإن من الحقائق الثابتة أنه لا ضربة سياسية كبيرة دون تحقيق نتائج سياسية فارقة، وأن الحرب التي ستجري على شاشات التلفزيون سوف تكون أبلغ مما يجري على مسرح العمليات. وبالتالي، فإن نظام الأسد الذي تفرج كثيراً على حروب إسرائيل ضد اللبنانيين والفلسطينيين، لن يكون بعد هذه الضربة هو نفسه الذي كان قبلها، خصوصاً إذا لم يتمكن من الرد، واحتفظ به -كما في كل السوابق الماضية- إلى أجل غير مسمى، وبدت المعركة من جانب واحد.issa.alshuibi@alghad.jo
عيسى الشعيبي/لا تقرأ هذا المقال*
14
المقالة السابقة