المتابع للموقف الأميركي الرسمي تجاه الأحداث الجارية في مصر منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي يوم الـ3 من يوليو الماضي يدرك تماما أن العلاقات الأميركية ـ المصرية في أسوأ حالاتها، وأن هناك تخبطا واضحا في توصيف المشهد المصري بين كل من إدارة الرئيس باراك أوباما والبنتاجون والكونجرس .. ولعل ذلك يعود إلى عنصر المفاجأة حيث فوجئ مسؤولون أميركيون بارزون بسقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين في مصر بعد عام واحد فقط من توليهم السلطة، ليكتشفوا أن رهانهم كان خاطئا لتجد إدارة أوباما نفسها في مأزق شديد الخطورة وبأنها حائرة بين دعم ومساندة جماعة الإخوان لعودتهم للحكم مرة أخرى، وبين الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية التي تربط بين واشنطن والقاهرة!!
لقد بذلت الولايات المتحدة جهودا مضنية من أجل استمرار جماعة الإخوان في الحكم .. وكم رددت آن باترسون السفيرة الأميركية لدى القاهرة بأن بلادها ترفض تماما عودة حكم العسكر في مصر .. إلا أن إدارة أوباما فوجئت بأن ما شهدته مصر يوم الـ30 من يونيو الماضي ليس انقلابا عسكريا بقدر ما هو انقلاب شعبي على حكم جماعة الإخوان انحاز له الجيش لتجنيب البلاد مخاطر حرب أهلية كانت تلوح في الأفق .. وقد كانت أزمة الوقود والكهرباء التي عانت منها مصر في الأيام الأخيرة من عهد الرئيس السابق محمد مرسي هي القشة التي قصمت ظهر البعير، ودفعت ملايين المصريين بمن فيهم “حزب الكنبة” ــ الذي آثر عدم المشاركة في أي مليونيات منذ أحداث الـ25 من يناير 2011ــ إلى الخروج إلى الشوارع والميادين للمطالبة بإسقاط نظام الرئيس مرسي وجماعته!!
حاولت الإدارة الأميركية إنقاذ ما يمكن إنقاذه للحفاظ على الحليف الذي سقط سريعا .. وذلك بعد أن تأكد لها أن عودة الرئيس مرسي باتت مستحيلة، ومارست ضغوطا على الحكام الجدد من أجل إطلاق سراح قادة جماعة الإخوان الذين تم اعتقالهم بمن فيهم الرئيس مرسي نفسه، والسماح لجماعة الإخوان بالمشاركة في الحياة السياسية، إلا أن تلك الضغوط لم تجد آذانا مصغية عند صانع القرار المصري الذي أكد أن مصير هؤلاء بأيدي القضاء بعد أن وجهت لهم اتهامات بالتحريض على استخدام العنف والقتل وبأنه لا مكان في الحياة السياسية لكل من تلوثت يداه بدماء المصريين، لتجد واشنطن نفسها في موقف حرج بعد أن عجزت عن إيجاد موقف دولي ضاغط ينجح في إعادة جماعة الإخوان إلى الحكم أو على الأقل ضمان مشاركة تلك الجماعة في الحياة السياسية رغم كل الجهود التي بذلتها هي والاتحاد الأوروبي في هذا الصدد!!
لقد بدا الرئيس الأميركي باراك أوباما في تصريحاته الأخيرة لشبكة “سي أن أن” عن مصر عاجزا عن طرح الحلول أو حتى اتخاذ القرارات، مكتفيا بقوله إن إدارته تقوم حاليا بعمل تقييم شامل للعلاقة مع مصر، معترفا في نفس الوقت بأن قطع المعونه الأميركية عن الحكومة المصرية المؤقتة لن يؤثر على قرارات تلك الحكومة، وهو ما يعني أن أوباما وإدارته باتوا على يقين أن سلاح المعونة الأميركية الذي طالما أشهرته واشنطن في وجه القاهرة منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك أصبح عديم الجدوى ولا قيمة له، وأن المصريين مستعدون للاستغناء عن تلك المعونة ليس من الآن بل منذ عهد مبارك أيضا، حيث سبق أن أعلن المصريون رفضهم لتلك المعونة التي تصب في مصلحة واشنطن أكثر مما تصب في صالح مصر، خاصة وأن تلك المساعدات مرتبطة باتفاقيات السلام مع إسرائيل!!
إلا أن الرئيس الأميركي باراك أوباما أعلنها صراحة بقوله إن الولايات المتحدة لا تستطيع العودة للعمل مع مصر بالشكل الذي كانت اعتادت عليه من قبل، وإن بلاده تعمل مع مصر في إطار سياق زمني قصير، مشددا في الوقت نفسه على أهمية العلاقات الأميركية ـ المصرية، واصفا إياها بأنها “شراكة مهمة جدا” بالنسبة لواشنطن بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، فضلا عن التعاون في العمل بمنطقة سيناء، وذلك في إشارة إلى قوات حفظ السلام العاملة في سيناء .. ولفت أوباما إلى أن مسؤولين في إدارته يعكفون حاليا على تقييم الوضع وتحديد المصالح الطويلة الأجل في مصر بجانب العمل على تلبية تطلعات الشعب المصري، منتقدا في ذات الوقت الجيش المصري بقوله إن هذا الجيش أضاع فرصة بعد عزل الرئيس محمد مرسي عبر جهود واشنطن لتشجيعه على التحرك في طريق المصالحة، لكن الجيش المصري لم ينتهز الفرصة، وهي إشارة مبطنة من الرئيس الأميركي بأن الجيش هو الذي يحكم مصر الآن بعد عزل مرسي!!
لقد وضح أن إدارة أوباما تواجه انقسامات حادة بين كبار مستشاريه فيما يتعلق بالأزمة مع مصر، حيث طالب مسؤولو “البنتاجون” بالاعتدال في رد الفعل الأميركي تجاه مصر، وأنهم يرون أن قطع المساعدات من شأنه تهديد الاتفاقات الأمنية، فضلا عن خطورته على عملية السلام بين مصر وإسرائيل .. بينما يرى أعضاء في الكونجرس ضرورة فرض عقوبات قاسية على مصر، متهمين إدارة الرئيس أوباما بالفشل في التعامل مع الأزمة المصرية .. ويأتي كل ذلك في الوقت الذي أعلنت فيه جينفر ساكي المتحدثة باسم الخارجية الأميركية أن واشنطن تراجع حاليا علاقاتها مع مصر فيما يتعلق بالمساعدات، وذلك بمشاركة فريق الأمن القومي التابع لإدارة أوباما .. أما فيما يتعلق بالرئيس المعزول محمد مرسي قالت “ساكي” إن موقفنا لا يزال كما هو ويجب أن تكون هناك عملية لإطلاق سراحه!!
إن ما يمكن استنتاجه من الموقف الأميركي الرسمي تجاه مصر أن واشنطن لا تريد أن تخسر العلاقات الاستراتيجية مع مصر، وفي نفس الوقت لا تريد أن تخسر علاقتها مع جماعة الإخوان، كما أن واشنطن قد أدركت تماما أن التلويح بقطع المساعدات الأميركية أصبح سلاحا أشبه بألعاب الأطفال لا يجدي .. ولن يجدي استخدامه مع المصريين، وأنه من مصلحة الولايات المتحدة البقاء على علاقاتها مع القاهرة حفاظا على مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، وهو نفس المسار الذي انتهجته دول الاتحاد الأوروبي مؤخرا!!
سامي حامد صحفي وكاتب مصري
Samyhamed65@yahoo.com