لندقق قليلا فيما يجري، حولنا، هذه الأيام، وسنرى أن ثمة ما يزيد على ثماني حروب تستعر في العراق، سوريا، لبنان، وليبيا ثم في مصر مؤخرا. وأضح أنها حروب لا تخدم غرضا وطنيا، أو عربيا أو حتى إسلاميا؛ وأنها حروب شديدة التداخل وأنها، لأسباب واضحة كثيرة، ليس مقدرا لها أن تنتهي قريبا.
حروب من هذه يا ترى؟ ممن المؤكد أنها حروب أعدائنا يشنونها علينا وبأيدينا. أكاد اراهم يجلسون أمام خارطة للمنطقة تنفرد أمامهم مليئة بقطع فسيفسائية ذات حدود واضحة ملونة لكيانات طائفية، عرقية، مذهبية ودينية، جاهزة للاشتعال. وهي صورة قديمة، أذكر أنني قرأتها في أعمدة الحكمة السبعة للورانس منذ نصف قرن، وأذهلتني.
ثم قرأتها، مرة ثانية، وبتفصيلات مضافة، بداية سبعينيات القرن الماضي، بعد نشرها من قبل المؤتمر الصهيوني الدولي الذي عقد في ألمانيا آنذاك. قيل يومها، في خضم حملة كراهية على العرب، بعد حرب رمضان، وارتفاع اسعار البترول، أن المنطقة جاهزة للفوضى والتقسيم لمكوناتها المرسومة، لتكون إسرائيل بينها أقواها وأشدها تماسكا.
ثم لاحظت أن المشروع، إياه، هو ما تبناه المحافظون الجدد بدءا من العام/1982، لتخرج به علينا كوندوليسا رايس بعد عشرين سنة من ترسيمه، تحت عنوان» الشرق الأوسط الجديد» و»الفوضى الخلاقة.»
عندما اندلعت الحرب الإيرانية العراقية، ظننا أن تلك كانت البداية. لكن كان علينا أن ننتظر عشرين سنة أخرى يختلط فيها الحابل بالنابل، فلا نعود نعرف العدو من الصديق؛ ثم انتظرنا، مرة أخرى، لنجد أن أحداث الربيع العربي قد أخذت بناصية المنطقة تجرنا نحو حروب ليس مقدرا لها أن تنتهي، أو يبين فيها المنتصر من المهزوم.
وكانت، كما ظهر، في الواقع، حروبا سهل إشعالها وإدارتها، فالتداخل الاجتماعي في العراق وسوريا وليبيا، مثلا، هو ذات التداخل الذي اعتمدته أعمال المؤتمر الصهيوني، ذاك. فثمة خوف كامن لدى كل مكون اجتماعي من المكون الآخر. لقد كان سبب الاستقرار الظاهر القديم هو وجود نظم ديكتاتورية قاسية تخيف الجميع، فركنوا للهدوء الفترة الكافية حتى عصف الربيع المشؤوم، فانتهى الاستقرار لتبدأ مرحلة الفوضى الخلاقة.
لكن ماذا عن بلدان ذات تكوين اجتماعي واحد منسجم مثل الأردن ومصر؟ ليست هناك مكونات أردنية مصابة بمثل هذا الخوف. بل هناك تآلف أو اتحاد وطني عصبي على الطريقة الخلدونية، بحسب دراسات المرحوم الدكتور جمال الخطيب، خرج منتصرا في كل الأزمات القديمة المشابهة، وكان من الصعب زحزحته.
لذلك كان لا بد من خلق مكون اجتماعي ذي ولاء عبر وطني يؤسس لتخوف شبيه بما حدث حولنا. لقد أثار الانتباه شعار الإخوان وسط البلد قبل أسبوعين «خيبر خيبر ياليبرالي» بدل «خيبر خيبر يايهود.» وسؤالنا: هل استجاب هؤلاء للشروط الأولى لمشروع الفوضى الخلاقة؟ وماذا عن مقاطعتهم لأي جهد وطني عام لبناء حالة سياسية صحية تساعد الوطن في هذه الظرف العصيب؟
أما في مصر فقد جروا البلاد نحو حرب فعلية يصطلي بها المصريون. ألا يدرك عقلاء الإخوان أن طريقهم هذه هي التي رسمها المحافظون الجدد مقابل دعم سياسي كاذب لا يُخرِجُ أحدا ٍ من أتونها بل يدفع بالجميع إلى مركز الاحتراق؟
فالح الطويل/الحروب المتداخلة في منطقتنا شرق الأوسطية
21
المقالة السابقة