ليس صحيحاً أن اللبنانيين باتوا فئتين تتبادلان الأدوار: هذه تزفّ سقوط القتلى على أنها بشائر استشهاد، وتلك توزّع الحلوى ابتهاجاً بموت الآخر. في أسوأ أيام الحرب الأهلية – الطائفية لم يبلغ الانقسام مثل هذا القاع اللاأخلاقي. لا يمكن أي لبناني أن يقبل استهداف مواطنيه بمثل هذا الاجرام الأعمى، سواء كانوا من أنصار “حزب الله” أم لا، وسواء سفك دمهم في “معقل” الحزب أم خارجه. هذا في المبدأ وفي الأخلاق، كما هو واجب من أعماق الضمير الانساني ولا منّة فيه على أحد. واذا اعتبر الحزب ضحايا التفجير “شهداء في سبيل المقاومة” فهذا شأنه، بل هذا تعبير عن فكره الذي بات مغلقاً تماماً. انهم، واقعياً، “شهداء أخطاء المقاومة” وهذا أشدّ إيلاماً في حقيقته، لذويهم ومواطنيهم.
لم يبدُ “حزب الله” مهتمّاً باستنكار خصومه السياسيين التفجير الارهابي في الرويس، وقبله التفجير في بئر العبد. إنه يتهم “التكفيريين” باستهداف “جمهوره” ويتهم خصومه المحليين بتغطية الفاعلين، لذا فهو لا يريد منهم أي تعزية. لكنه يريد أن يحارب “التكفيريين” وأن يهزمهم، ويريد أن يفعل ذلك وحده، كما يقاوم اسرائيل وحده، ولا يريد من الآخرين – الدولة والحكومة والجيش وأجهزة الأمن… وكل مكوّنات المجتمع – سوى أن يكونوا صامتين أو مصفّقين.
دخل تنظيم “القاعدة” سوريا على نحو “رسمي” منذ أوائل 2012. والواقع أنه كان فيها منذ دائماً. يديره أحد أجهزة النظام، يقدّم له التجهيزات والتسهيلات، يؤوي المتطوّعين ويتيح لهم التدرّب، يفتح لبعض منهم طريق التسلل الى العراق، يعتقل بعضاً آخر ليبتزّ به دول المصدر، ويبقي بعضاً ثالثاً طلقاء في انتظار استخدامهم في اغتيالات ومهمات شتى. دخل التنظيم سوريا (أو عاد اليها) ليحارب مع الشعب وضد النظام، لكن الطرفين لا يثقان به لأنه يأتي من خلفيات عقائدية مشتبه فيها. كان يدعو نفسه “دولة العراق الاسلامية” واتخذ الآن اسم “دولة العراق والشام”، لكن شعاره الجديد هو “من ديالى الى بيروت”.
قبل ذلك كان “حزب الله” قد دخل سوريا ليشارك أيضاً في الحرب، خلسةً أولاً ثم علناً و”رسمياً”. خذل كل من اعتقد بأنه يوازن بين مبدئيته المقاومة وواقعيته الأخلاقية، أو أنه حريص على لبنان واللبنانيين طالما أنه يضع “ردعه” لاسرائيل دفاعاً عنهم، لكنه رمى بكل الاعتبارات وبـ”اعلان بعبدا” في سلّة المهملات. لم يبالِ بالسوريين الذين صاروا يسمّونه “قوة احتلال”، ولا باللبنانيين الذين حذّروا بأنه يتعمّد استيراد الأزمة السورية. لا شك في أنه برر دخول تنظيم “القاعدة” لبنان، بل بذل ما في مستطاعه ليفتح له كل الأبواب. هذه ذروة أخطائه وتهوّراته، فالارهاب عدو الجميع ولن يستهدفه وحده ولن يستطيع محاربته وحده.
عبد الوهاب بدرخان/من استدعى “القاعدة” إلى لبنان؟
21
المقالة السابقة