لم يشهد قصر الثقافة ، حشداً رفيع المستوى ، متنوع الحضور والعدد ، لتأبين شخصية سياسية من قبل ، كما كان يوم السبت 17/ آب ، في حفل تأبين الراحل إبراهيم أبو عياش ، بإشراف نخبة من الذوات يمثلون نقابة المهندسين الأردنيين ، مجلس النقباء ، هيئة المكاتب الهندسية ، منتدى الأعمال الهندسية ، اللجنة التنسيقية لأحزاب المعارضة ، المجلس الوطني الفلسطيني ، المهندسين الفلسطينيين ، حركة فتح ، المهندسين العرب ، مجموعة أرابتك جردانة ، أصدقاء متطوعين ، مما ترك بصماته على تنوع المتحدثين ، وكثرتهم ، ومع ذلك لم يمتعض أحد ، ولم يخرج من الاحتفال ، الذي تميز ببهاء الموقف ورزانته ، وأطلق عليه أحد الحضور « إحتفال دمه خفيف « .
مشاركة عزام الأحمد ، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، بكلمة غير معدة سلفاً ، ولم تكن ضمن البرنامج ، وتقديمه ليتلو كلمة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، رفعا من القيمة السياسية للحفل ، ولرمز إبراهيم أبو عياش ومكانته ، بما يفوق المغزى الذي مثله مروان عبد الحميد ، كمتحدث لبق باسم مؤسسات المهندسين الفلسطينيين ، وحركة فتح والمجلس الوطني الفلسطيني ، ولكن الرئيس الفلسطيني ، طبع الأحتفال التكريمي بما كان يستحقه بدل الغياب ، وأضفت سلمى أبو عياش مهابة وحزناً رفيعاً ومحبة لوالدها ، وكأنها صديق امتلك المعرفة والمشاعر والعمق الإنساني وحرقة الدمعة بإفتقادها لأبيها ، وافتقاد الحضور له ، ولخصت الموقف والشعور ، كما قال جراحنا الكبير داود حنانيا الذي فتح مئات صدور البشر ، وسجل رقماً قياسياً بعدد العمليات الجراحية التي أجراها لمرضاه بدون أن يرف له جفن ، لخص الموقف بقوله « لقد أبكتني سلمى « .
ما قيمة إبراهيم أبو عياش ؟؟ ولماذا هذا الحشد النوعي من الأردنيين والفلسطينيين والعرب ؟؟ في جواب هاذين السؤالين ، يكمن السر ، ومفتاح فهم التأبين والأحتفال ، الذي لم ينجح لأنه ابن قرية ، وحصل على الأول بالثانوية العامة على الضفتين الموحدتين بالقلب والروح والعقل في ذلك الزمان من الخمسينيات ، ولم يكن لأنه نال مرتبة الشرف من الجامعة الأميركية والأول على دفعته ، أو لأنه كان نقيبا لعدة دورات وناجحاً في مهنته ، وانحيازه بإمتياز للقوى الوطنية والقومية واليسارية ، فالعديد من الحضور وغيرهم يبادلونه الإنجازات ، وربما يتفوقون عليه .
قيمة إبراهيم أبو عياش ، أنه كان أردنياً حتى نخاع العظم ، ويتباهى بذلك ، مثلما كان فلسطينياً حتى نخاع العظم ويُصر على ذلك ، بلا مواربة أو تلكؤ أو إدعاء ، وكان خصماً للإخوان المسلمين وأكثر الشخصيات إحتراماً ومكانة عندهم ، كنقيب ، ومثّل الأردن عربياً ودولياً ، وكذلك فلسطين ، وقيمة ما قامت به اللجنة التحضيرية الآن ، أن رمزية إبراهيم أبو عياش وما يمثله نفتقدهما ، وما ناضل من أجله ، نسعى له ، ونتوق إليه .
حينما نتوجع لما نراه من صراع عراقي مذهبي ، قومي ، طائفي ، في لبنان وسوريا ، وفي السودان ، ومصر ، يُقاتل الأخ أخاه ، ويقتل الانسان ذاته ويعتدي عليها ، ويغتال شريكه ويتآمر عليه ، يُفجره بلا رحمة ، نتوقف أمام ذكرى إبراهيم أبو عياش وقيمه ، فنصرخ إحتجاجاً على رحيله ، لأننا نرفض القتل ، ونتوسل التعددية والديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الاقتراع ، ونقول بأعلى صوت وبقوة :
إبراهيم أبو عياش نفتقدك .
h.faraneh@yahoo.com