كان هناك إجماع لدى جميع العقلاء في كل أنحاء العالم على ضرورة عدم اللجوء الى القوة والعنف في فض الحشودات الشعبية والاعتصامات السلمية في ميادين القاهرة وبقية المحافظات المصرية، لأن استخدام القوة الذي يؤدي حتماً الى سفك الدماء، وإصابة أعداد كبيرة بالجراحات الجسدية والنفسية التي لا تندمل، والتي سوف يترتب عليها آثار بالغة الخطورة على مستقبل مصر السياسي والأمني.
اللجوء الى القوة المسلحة، واستخدام الجيش في المواجهة مع جموع الشعب المحتشدة في الساحات والميادين العامة، على خلفية مواقف وآراء سياسية ،سوف يشكل انتكاسة شديدة الخطورة في مسيرة تحرر الإرادة الشعبية العربية التي انعتقت من اسارها، والتي انتزعت عبر السنتين السابقتين حقها في التعبير عن رأيها عبر التجمع، والخروج الى الشارع والتجمهر والتظاهر والاعتصام ، بطرق سلمية حضارية بعيدة عن اشكال التخريب والعدوان.
من أخطر مظاهر الحدث المصري زج الجيش في المعركة السياسية بين فريقين سياسيين مختلفين،والانحياز الى طرف ضد طرف آخر، والأشد خطورة هو الوقوع في فخ التناقض: فالأصل أن الجيش تدخل من أجل حقن الدماء، ومنع الفتنة والحيلولة دون التدحرج الى مستنقع الاقتتال، فحدث النقيض تماماً حيث أن قيادة الجيش حولت ميادين القاهرة الى معركة دامية بين المصريين، وأصبح القاتل والمقتول مصريين! والدم المسفوح مصرياً والشعب المصري هو الخاسر الأكبر، والدولة المصرية هي التي تتعرض للتهشيم والاضعاف بفعل مجموعة مغامرة، ضيقة الأفق لا تنظر ولا ترى أبعد من أرنبة أنوفها.
أمام هذا التطور الدموي للحوار السياسي الدائر بين الفرقاء المختلفين في مصر، يقتضي منا جميعا أن نستفيد مما يحدث وأن نعي الدرس بعمق، هنا في الأردن، وفي كل أقطار العرب وأن نعتصم بالجوامع ونتمسك بالمبادئ التي لا يختلف عليها العقلاء، ومن أهمها:
الاحتكام الى أساليب الحوار السلمي الحضاري الهادئ، الذي يعلي شأن القيم، والذي يحترم الرأي المخالف، والبعد عن كل أساليب فرض الرأي عنوة !وعدم اللجوء الى القوة في حل المشاكل التي تعترض الفرقاء السياسيين، وتحريم الدم المصري ،وتجريم الاقتتال الداخلي.
إعلاء شأن الأوطان، وإعلاء شأن المصلحة العامة فوق المصالح الجزئية والحزبية والفئوية والشخصية. والانطلاق من أن الدولة لجميع مواطنيها بلا استثناء، وكل المواطنين شركاء في الغنم والغرم، بلا مزايدة، أو اتهامية أو تخوين أو تميز قائم على أسس دينية أو مذهبية أو عرقية أو حهوية.
الاحتكام الى صناديق الاقتراع، والانتخابات الشعبية النزيهة، والاستفتاءات الشعبية المنظمة، باعتبارها المصدر الوحيد لمنح الشرعية للحكام وأصحاب السلطة والتحدث بشأن العامة.
وقف حملات التحريض والتشويه الاعلامي المتبادل بين الأطراف المختلفة، ووضع ميثاق شرف اعلامي، لضبط الخطاب الاعلامي للقنوات الفضائية والمحطات الاعلامية والمواقع الالكترونية ووسائل التواصل المختلفة، من أجل الابتعاد عن اشعال الفتنة بين فئات المواطنين ومكونات المجتمع.
حصر مهمة الجيش والقوات المسلحة في حماية الحدود ومواجهة الأعداء الخارجيين، وعدم زجها في الخلاف السياسي بين الاحزاب والفرقاء السياسيين، وعدم الانحيازالى فريق ضد فريق.
الحرص على حل مشاكلنا بأنفسنا، بعيداً عن التدخل الخارجي بكل
اشكاله، ومن كل جهاته، ومن جميع مصادره،وعدم الاستعانة بالاجنبي من اي فريق ضد فريق في الاختلافات الداخلية.وبناء على ما سبق فانه ينبغي العمل على اشتقاق مبادرات وطنية عامة تسهم في حقن الدماء ووضع حد للفتنة ووقف المزيد من الضحايا.
د.رحيل غرايبة/وأخيرا وقع المحظور
16