فهمي هويدي/السودان يناديكم

حين تجتاح السيول السودان بحيث يصبح على شفا كارثة، أدت حتى الآن إلى تدمير 60 قرية تضم 11 ألف بيت مما أسفر عن تشريد أكثر من مائة ألف مواطن، فإن العالم العربي ينبغي ألا يقف متفرجا، ومصر في المقدمة منه. أعرف أن مصر تتعرض لإعصار سياسي عالي الدرجة، لكنني أعرف أيضا أن ثمة علاقة خاصة تربطها بالسودان، الذي ينسى كثيرون أن أقرب الأشقاء، فضلا عن أن أمنه واستقراره جزء من الأمن القومي المصري. بالتالي فإن مصر إذا لم تستطع أن تقدم عونا فلا أقل من أن تقدم مشاطرة ومواساة، وذلك أضعف الإيمان، أما أن تنضم إلى صفوف المتفرجين على ما يتعرض له السودان، مؤثرة الاستمرار في الانكفاء والانشغال بهموم الداخل فذلك مما لا يليق بدور «الشقيقة الكبرى» التي انسحبت من مجالات كثيرة في العالم العربي لأسباب يطول شرحها، لكنها لا تملك مواصلة الانسحاب عندما يتعلق الأمر بما يخص استحقاقات أمنها القومي. صحيح أن تعرض السودان للسيول صار «طقسا» سنويا يستصحب موسم الأمطار التي تتواصل خلال شهرى يوليو وأغسطس من كل عام، لكن ما جرى هذا العام كانت معدلاته أكبر بكثير مما كان متوقعا، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان ذكريات كارثتين تعرضت لهما البلاد خلال عامي 1988 و2007. يتحدث الفنيون عن تكاثف السحب بشكل غير عادى في الهضبة الإثيوبية، مما ضاعف من غزارة الأمطار التي داهمت السودان واجتاحت ولاية الخرطوم والجزيرة وأم درمان، كما أصابت عدة ولايات أخرى بدرجات متفاوتة، الأمر الذي رشح السودان كله لكي يصبح منطقة كوارث. وهو المشهد الذي يستدعى استنفارا من جانب الأشقاء العرب، إضافة إلى مختلف المنظمات الإغاثية في العالم.

قبل أن أتطرق إلى ما ينبغي أن نفعله، فإنني أسجل ملاحظتين هما:

< أن الإعلام العربي أبرز أخبار الفيضانات التي غمرت 21 ولاية أمريكية، وأسفرت عن مقتل خمسة أشخاص وتشريد عدة مئات من المواطنين، لكنه لم يكترث بقتل نحو 60 سودانيا وتشريد مائة ألف جراء السيول التي اجتاحت البلاد منذ شهر يوليو الماضى. وللدقة فإن بعض الصحف المصرية ــ ثلاث على الأقل ــ نشرت الخبر هذا الأسبوع بعدما سجلت الصور التي خرجت من السودان معاناة المواطنين الذين تهدمت بيوتهم ولم يعودوا يجدون ملاذا يؤويهم، فوقفوا حائرين وسط المياه الجارفة. وإذا كان ذلك حال الإعلام المصري، فإننا لا نستطيع أن نلوم محطة سى.إن.إن لأنها قامت بتغطية الفيضانات الأمريكية ولم تذكر شيئا عن فيضانات السودان.

< أن إحدى الولايات الأمريكية كانت قد تعرضت لإعصار في العام الماضي دمر بعض مبانيها، وعرضت محطة سي.إن.إن وقتذاك شريطا سجل الأضرار التي حلت بالولاية، وتصادف أن شاهد الشريط أحد حكام الخليج الذي تأثر مما رآه، فسارع إلى تكليف سفارة بلاده في واشنطن بالاتصال مع حاكم الولاية للاستعلام منه عما تحتاجه لمعالجة الأضرار التي أحدثها الإعصار. وكان الغوث الخليجي سخيا لدرجة تجاوزت بكثير ما طلبه حاكم الولاية، الأمر الذي أدى ليس فقط إلى إعادة بناء ما تم تهديمه وتشييد بعض المرافق التي تخدم مواطنيها، وإنما عم الكرم الخليج كل تلاميذ الولاية الذين تلقى كل واحد منهم جهاز كمبيوتر (لاب توب) هدية من الحاكم العربي.

لا يخطر لي أن أقارن بين الولاية الأمريكية وولاية الخرطوم، لأسباب عدة أحسبها مفهومة (ليس بينها أن السي.إن.إن اهتمت بالأولى وتجاهلت الثانية)، لكنني فقط أقول بأنه من السذاجة أن نتساءل عما يمكن عمله سواء لإغاثة السودان أو للتضامن معه في كارثته. مع ذلك فإن المسؤولين السودانيين تحدثوا صراحة عن حاجة بلادهم للدعم والعون من «الأشقاء العرب». ورغم أن النخوة العربية لم تظهر حتى الآن في أداء الحكام العرب (مرة أخرى لا أقارن بما حدث مع الولاية الأمريكية) فإن أخبار الخرطوم تحدثت عن اتصالات مع عشر منظمات إغاثية عربية. وأرجو ألا تكون تلك المنظمات بانتظار الضوء الأخضر من أولى الأمر. كما أرجو أن يظهر ذلك الضوء قبل أن تغرق الخرطوم وتعم البلوى.

طوال السنوات التي خلت ظللنا نقرأ أخبار السودان في صفحات الحوادث، فمن كوارث طبيعية إلى كوارث سياسية إلى انقسامات وحروب داخلية (بعد انفصال الجنوب فهناك دعوات انفصالية مسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق)، وأخشى إذا ما استمر التقاعس والخذلان العربي للسودان وإزاء تربص محيطه به، أن نقرأ نعيه يوما ما في صفحة الوفيات. وتلك كارثة مضاعفة، لأننا لن نخسر وطنا فحسب ولن ينكشف ظهر مصر وأمنها القومي فحسب ولكننا سنخسر أيضا أهم جسور العرب إلى إفريقيا. وحينئذ لن يجدي منا البكاء والعويل والحسرة على فقدان الشقيق العزيز.

شاهد أيضاً

بغض النظر عن الأسباب ودوافع لعملية السابع من أكتوبر فقد وقعة الواقعة ولا مبرر لجلد الذات* عمران الخطيب

عروبة الإخباري – عندما كانت “إسرائيل” تعد العده لاقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان كان …

اترك تعليقاً