لا أؤمن بمقولة سيطرة «اليهود أو الصهيونية» على الإعلام الغربي، من صحافة وتلفزيون ووكالات أنباء، وحتى سينما! ومرد ذلك ليس سخف هذه المقولة، التي قد تكون حقيقية، بل لأن أحداً لم يمنعنا، مع كل ما نمتلك من ثروات وما لدينا من أثرياء، عقلاء وسفهاء، من تملك حصص مؤثرة في أي منها، والتي تكرر عرض الكثير منها للبيع على مدى نصف القرن الماضي، والتي يمكن الاستحواذ على أغلبيتها من خلال شراء أسهمها! كما أن عدم إيماني يعود إلى حقيقة أن الأمر لا يتعلق فقط بعزوفنا عن الاستثمار في هذه الوسائل، وإصرارنا على التذمر من سيطرة اليهود عليها، بل وأيضاً لأننا غير جديرين بتملكها أصلاً، حتى لو أردنا ذلك! فالاستثمار في الصحافة العالمية مثلاً ليس كالاستثمار في صناعة الملابس أو في شركة نفطية، والاعتماد على إدارة المصنع لتحقيق النجاح المالي، بل يتطلب تملك صحيفة أو قناة إخبارية عالمية توافر قدر هائل من حرية القول والنشر المطلقة لدى المشتري، إضافة الى عامل الإبداع! فليس من المجدي أن تملك أي دولة عربية وسيلة إعلام دولية إن لم تكن هي التي تديرها وتوجهها لمصلحتها، وبما أن كل دولنا تفتقد حرية القول والنشر، وتفتقد عامل الإبداع في مثل هذه المجالات، فعليها بالتالي التوقف عن وصف هذه الوسائل الإعلامية بالصهيونية العالمية، فاليهود أبدعوا ودفعوا ونالوا، ولم يمنعوا أحداً من أن يدفع وينال ملكية هذه الوسائل ويبدع فيها!
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة قبل الدخول في موضوع هذا المقال، والمتعلّق بنظرية «سيطرة اليهود على الصحافة الغربية وغيرها»، ومنها الـ «نيويورك تايمز»، التي تتهم دائماً بمحاباة إسرائيل ومناصرة قضايا اليهود، والترويج لفكرهم على حساب قضايا العرب، وهذا ليس صحيحاً بالمطلق. فقد كان لهذه الصحيفة، التي تصدر في معقل الكاثوليكية واليهودية الأميركية، دور كبير في فضح جرائم الاعتداءات الجنسية من قبل كبار رجال الكنيسة الكاثوليكية، ومنهم من كاد أن يصبح بابا، على أطفال الكنيسة. علماً بأن الاعتداءات طالت عشرات آلاف الأطفال على مدى عقود طويلة، وما زالت عملية الكشف على جرائم القساوسة والكرادلة المتطورين، والتغطية عليهم، مستمرة بين الكنيسة ووسائل الإعلام الغربية الحرة! وكان لافتاً للنظر قيام الـ «نيويورك تايمز» بتاريخ 22 يوليو بنشر مقال لفرانك بروني FRANK BRUNI، ذكر فيه أن القادة الروحيين الذين أنيطت بهم مهمة رعاية الأطفال وتعليمهم، وبيان طريق الصواب لهم في الحياة، قاموا باستغلال مراكزهم وتأثيرهم القوي على هؤلاء الأطفال واعتدوا عليهم جنسياً، وأن المعتدين استفادوا من عمليات التغطية على جرائمهم من رجال دين أرفع مرتبة، وساعدهم هؤلاء في التشكيك في «ادعاءات» الأطفال، المعتدى عليهم جنسياً من قبل آبائهم الروحيين من رجال الدين! والتغطية تمت ليس فقط خوفاً من الفضيحة، بل لكي لا تتوقف تبرعات «المحسنين»، وأن المسؤولين عن التحقيق في الجريمة فضلوا التغطية عليها، واتهام الأطفال بالكذب على أن يشمت أعداؤهم بهم!
الفقرة أعلاه لا تخص، كالعادة، فضائح كنسية، بل تتعلق باليهود الأورثوذوكس، الفرقة الأكثر تشدداً! ويقول الكاتب إنه يكتب مقاله لأن الصحافة امتلأت في العقدين الأخيرين بفضائح رجال الكنيسة، والآن جاء دور فضح رجال الدين اليهود.
المقال طويل، ويحتوي على معلومات مرعبة، وتعود لجرائم الأربعين سنة الماضية. وللمزيد يمكن الرجوع لأرشيف الـ «نيويورك تايمز».
والآن، من دون محاولة دفن الرؤوس في الرمال، هل نمتلك شجاعتهم، أم أننا غير؟
***
• ملاحظة: تعليقاً على مقال «مجلس عبدالحميد»، قال الزميل عدنان حسين: الأحزاب الشيعية لدينا في العراق تبرر استحواذها على السلطة منذ 10سنوات، بحجة استرداد حقوق الشيعة المغتصبة منذ 14 قرناً! ولكن شيعة اليوم أسوأ حالاً من ذي قبل، بسبب سكوتهم عن هضم حقوقهم من حكامهم الشيعة..