لم يكن مفاجئاً ان يقف جون ماكين في القاهرة ليقول “ان الظروف التي احاطت بالرئيس المعزول محمد مرسي كانت انقلاباً عسكرياً”، قبله لم تتردد آن باترسون في دعوة مرسي و”الاخوان المسلمين” الى مواصلة حكم مصر من رابعة العدوية، وهو ما يعتبره الشعب المصري تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية وضلوعاً وقحاً في التحريض على اشعال الفتنة!
لقد استمعت جيداً الى ما قاله ماكين وليندسي غراهام في مؤتمرهما الصحافي، ولا ابالغ اذا قلت انهما بديا وكأنهما من اعضاء الكنيست الاسرائيلية لا من اعضاء الكونغرس الاميركي [ ما الفرق؟] وخصوصاً عندما تأكد ان الهدف من “وساطتهما” الفظة هو الحرص على راحة اسرائيل اكثر من الاستقرار في مصر.
فليس قليلاً ان يعترف ماكين بأن سعي اميركا للمصالحة في مصر “يهدف في الاساس الى الحفاظ على أمن اسرائيل” وان الاهتمام الاميركي بالتطورات المصرية يتصل بالعلاقة مع اسرائيل “لأن الوضع في سيناء وما سيحدث سيكون له تأثير كبير عليها” وهو ما ذكّرني بذلك الود العميق بين “الاخوان المسلمين” واسرائيل، وقد بكّر مرسي في التعبير عنه في رسالة من “الصديق المخلص مرسي الى الصديق العزيز شمعون بيريس”!
عندما فاضت شوارع مصر بأكثر من 33 مليون مواطن يدعون الى رحيل مرسي و”الاخوان” وهو ما يوازي مثلاً خروج 100 مليون اميركي يطالبون اوباما بالرحيل، لم تلاحظ واشنطن روح الديموقراطية التي تذرف الآن دموع التماسيح عليها، بل قالت انه انقلاب عسكري وبلغت بها التفاهة درجة اهانة الشعب المصري عندما هددت بحجب المساعدات وهي قبضة من الدولارات قياساً بالمليارات التي قدمتها السعودية والامارات والكويت، دعماً لاستعادة الديموقراطية التي اختطفها مرسي وجماعته عندما انكبوا سريعاً على “أخونة” الدولة المصرية بعدما كانوا قد اختطفوا “ثورة 25 يناير”. فعن اي ديموقراطية تتحدث واشنطن وكيف يستطيع السناتور غراهام ان يقول “نحن رسل للديموقراطية” وهو ما يدعو الى السخرية؟
لم تسمع واشنطن صراخ ملايين المصريين ضد موقفها المنحاز الى “الاخوان” ولا ارادت ان تقتنع بأن خريطة الطريق التي وضعها الجيش كانت لمنع مصر من الوقوع في حرب اهلية، بل انكبت على تحريض “الاخوان” الذين زادوا تطرفاً وعناداً، فلم يشاركوا في الحوار الوطني الذي دعا اليه الرئيس الانتقالي ووجدوا ان وقوف دولة كبرى وراءهم يشجعهم على الاعتصامات والعنف اللذين يراهن الاميركيون والاسرائيليون عليهما مدخلاً الى الحرب الأهلية لتكتمل حلقة الفوضى الاقليمية التي يفترض ان تنتهي بالتقسيم!
قبل اسبوعين قالت الرئاسة المصرية صراحة: “ما يحكمنا هو البيت المصري وليس البيت الابيض”، ومع ذلك تستمر المحاولات الاميركية لتدمير مصر!