المتابع لتاريخ أمتنا العربية والإسلامية يجد أن العواصم الثلاث آنفة الذكر تشكل المثلث الجغرافي لحماية الأرض المقدسة، أعني مكة والمدينة من غزوات الطامعين عبر التاريخ في الهيمنة على هذه الأرض الحرام وإخراجها ومحيطها من أن تلعب دورا في التاريخ الإنساني.
تصدت بغداد لكل غزاة الشرق (التتار والفرس وآخرهم الغزوة الأمريكية وغيرهم) وتصدت دمشق لكل غزاة الغرب (الحروب الصليبية وآخرها الغزوة الصهيونية) وتصدت القاهرة لكل الغزاة القادمين عبر بغداد ودمشق وفلسطين. هذه العواصم وقف جميع الغزاة عند أبوابها، البعض تم اقتحامها ولو تمت الهيمنة عليها من قبل أي قوة لامتدت تلك الهيمنة إلى العاصمتين الأخريين ومنها إلى الأرض الحرام الحجاز المملكة العربية السعودية، ولا حظوا معي أنه إذا اجتمعت العواصم الثلاث تحقق للعرب انتصار، وعلى ذلك تعمل كل القوى المعادية للعرب على عدم اتفاق العواصم الثلاث بأي شكل كان.
(2)
اليوم تمكن الغزاة الأمريكان من احتلال العراق وإضعافه بكل معاني الضعف وسلم العراق ضعيفا هزيلا إلى إيران الفارسية دون أن تخسر جنديا واحدا في ميدان المعركة لاحتلال العراق. كان الخاسر الأكبر إلى جانب الشعب العراقي في هذه الحالة هم دول الخليج العربية والنار أراها تزحف نحو الأرض الحرام من الشرق.
قلنا ونبهنا قادتنا الميامين بأن إضعاف العراق وهزيمته يصب في صالح إيران ولم يصدقنا أحد منهم، وقلنا إن دمشق ستكون العاصمة الثانية من عواصم التاريخ العربي تسقط تحت هيمنة الفرس ولم يصدقنا أحد. يقول الرئيس الإيراني الجديد السيد روحاني: “أي قوة في الأرض لن تزعزع علاقة إيران بسورية”، ورد هذا القول في الساعات الأولى من تسلمه منصبه كرئيس لجمهورية إيران.
(3)
العرب تباطأوا في العمل السياسي لإيجاد مخرج يحفظ ماء الوجه لكل الأطراف في دمشق في الأشهر الخمسة الأولى قبل أن يتفاقم الوضع، زاد في تعقيد الأمور في الشام تعنت النظام السياسي في دمشق وإصراره على إلغاء كل من يعارضه ويطالب بالإصلاحات الجوهرية في سورية وأمعن في القتل والتدمير الشامل لكل مقومات الشعب السوري الأمر الذي عجز النظام عن تحقيق أهدافه القاضية بالقضاء على معارضيه، فراح يستعين بقوى حزب الله المدربة لحرب المدن والأرياف واستعان بجحافل الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وعصابات قتل وثأر وتدمير استوردوا من العراق. ضعفت سورية الحبيبة بفعل كل القوى وأكثرهم فاعلية في إضعاف هذا القطر العربي الشامخ كان نظام الحكم بقيادة بشار الأسد الذي لم يستجب لمطالب شعبه العادلة في تحقيق الحرية والكرامة والمساواة والمشاركة في صناعة القرارات السياسية. وهنا نقول ضعف الطالب والمطلوب وهيمن الفرس على دمشق.
(4)
وماذا عن حال القاهرة جوهرة عواصم العرب، ماذا يدور على أرضها؟ حرب إعلامية شرسة بين القوى السياسية في القاهرة للتشهير وتزييف الحقائق وتحشيد العامة لأهداف هذا الفريق أو ذاك وإنكاء الجراح الطائفية وإثارة روح الكراهية والبغضاء والأحقاد في المجتمع المصري العظيم المتسامح المسالم الإنساني، لمصلحة من هذا كله؟ إنه لمصلحة الذين يريدون سوءا بمصر العزيزة، أمريكان أوروبيون وأفارقة وخليجيون يتوافدون إلى القاهرة، ماذا يريدون في مصر؟
ننصح العقلاء في مصر العزيزة بأن أمريكا لا ثقة فيها أبداً ولا أمان لسياستها سواء اتصل الرئيس أوباما بالفريق السيسي زعيم مصر الفعلي أو لم يتصل به، يقول مسؤول أمريكي: “أنتم أيها العرب حلفاء وأعداء نصنفكم حسب حاجتنا وحسب مصالحنا، لا يظن أحدكم أنه صديق إلى الأبد أو حليف طويل الأجل، نحن نحميكم بإرادتنا ونعتدي عليكم أو نسلط عليكم الآلة الإعلامية الرهيبة أيضاً بإرادتنا”، وراح يقول: “نحن بصدد تقليب الأوراق في الشرق الأوسط وسنضع هيكلة جديدة لتراتيب القوة والمكانة في المنطقة وسنقلم أظافر كثيرة في العالم العربي، وقد نتهور فنبتر أصابع… ” (الشرق، 16 / 9 / 2002). نقول قد يقبل البعض بتقليم الأظافر لكننا جميعا نرفض البتر.
ما أريد قوله كي لا تسقط مصر العزيزة في براثن الفوضى والانهيار إما حرب أهلية أو حرب الانهيار الاقتصادي بفعل المسيرات.
والرأي عندي لكل الساعين إلى إيجاد مخرج في مصر، لكل الفاعلين، يحفظ ماء الوجه للكل ويجنب مصر الويلات فإني أضم صوتي إلى عقلاء مصر بالدعوة للخروج من المأزق الراهن إلى ما يلي:
1ــ تشكيل مجلس سيادة يتكون من خمسة أعضاء برئاسة الرئيس محمد مرسي تكون قراراته بالأغلبية، شرط أن يكون الأعضاء من عقلاء مصر الذين لم يتلوثوا بالتحزب والتعصب لأي طرف.
2 ــ تشكيل حكومة تسيير أعمال لا يزيد أعضاؤها على 15 وزيرا بما في ذلك الوزارات السيادية على أن تكون من التكنوقراط وما أكثرهم في مصر.
3 ـ إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بعد الـ30 من يونيو.
4 ــ وقف الحملات الإعلامية بكل أشكالها
5 ــ إعادة العمل بالدستور المستفتى عليه وتعديل المواد المختلف عليها بما يتناسب والمجتمع المصري.
6 ـ عودة مجلس الشورى للعمل إلى أن تتم الانتخابات النيابية في خلال الأشهر الثلاثة القادمة.
7 ـ وقف جميع التحشدات الجماهيرية وانسحابها من الشوارع وعدم السماح لها إلا بعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية في قادم الأيام.
آخر القول: إذا سقطت مصر في براثن الفوضى أو انتصار فريق على فريق فإن ذلك سيؤثر على مكانة مصر الدولية وأمن دول مجلس التعاون دون استثناء وإيران المتربصة بكم بعد انتصارها في دمشق وبغداد وبيروت.