هناك عدة اعتبارات ومن مثلها تحديات متعاظمة، سوف يواجهها الشقيقان، العماني والإماراتي، في قضايا مشتركة وأخرى منفردة، سواء في إطار علاقاتهما الثنائية أو الخارجية، وسوف يكون لها تداعيات مشتركة على كلا البلدين، كونهما أي البلدين، يشكلان حزاما واحدا في المسير والمصير، من هنا، يحتم علينا القول بكل صراحة، إن التعاطي مع الاعتبارات ومواجهة التحديات المقبلة يتطلب مستوى من الوعي الراقي والتفكير الايجابي الذي يدرك أهمية الاحتكام للأفضل في اللحظة الحاسمة، ونعتقد أن كلا من مسقط وابوظبي قد دخلا هذه اللحظة، لكن ذروتها لم تحن حتى الآن، وسوف تأتي حسب تطور الأحداث العربية العربية وانعكاساتها على الشأن الخليجي، كما سوف ترتبط وجوبا بالشأنين الداخليين من الناحيتين السياسية والاجتماعية، فهل فعلا العلاقات الثنائية بين الشقيقين تسير بمنطق الاحتكام للأفضل أم لا تزال محكومة بمنطق التاريخ والمال؟
نطرح هذه القضية في ضوء ما تتناقله بعض وسائل التواصل الاجتماعي والصحفية الخارجية عن ما سمته (بغضب) عماني من الإمارات بسبب مزاعم التدخل في شئوننا الداخلية، وقد أخذت تفرد له مساحة من الأحاديث العامة والخاصة على السواء في وقت تشتعل فيه المنطقة بسبب الأحداث المصرية والسورية، فهل هناك من يحاول تفجير أزمة جديدة بين البلدين لحساباته الخاصة على خلفية تلك الأحداث أم فعلا في الأجواء ما يعكر صفو العلاقات بين الأشقاء؟ بل أكبر من التعكير إذا ما وضعنا مفردة (الغضب) المتداولة بعين الاعتبار، وهذه للمرة الأولى التي تخرج أنباء من رحم مجهول المصدر والهوية، وتفاجأنا بذلك الموقف العماني المزعوم، فهل يمكن أن ينفذ هذا النبأ إلى قناعاتنا؟ لكن، كيف لم يحدث ذلك إلا بعد توضيحات معالي يوسف بن علوي بن عبدالله الوزير المسئول عن الشئون الخارجية بشأن الدعم الإماراتي والخليجي المقدم للسلطنة؟ وهذه التوضيحات لا بد منها بعد ما تم إثارة الرأي العام العماني واستفزازه من جانب الأشقاء الاماراتيين عندما تم تصوير المليار دولار المقدم منهم على انه دعم من دولة غنية إلى دولة فقيرة وليس في إطار الدعم المشترك بين بلدين هما اقرب إلى شطرين داخل جغرافيا واحدة، وبالتالي، فإن أي مساعدة تحدث داخل هذين الشطرين ينبغي أن يكون مبررها دائما هو الحاجة لتدخل الشقيق لصالح شقيقه سواء ماليا أو سياسيا أو أمنيا، ودون أية أملاءات أو أجندة، كما ينبغي أن تتم خارج نطاق التشهيرات التي تجرح الكبرياء وتخدش روابط الأخوة، كما أن هناك قضايا عالقة بين البلدين، وإشكاليات كبيرة بين مواطنينا مع بعض السلطات المحلية في الإمارات، وصحيح كذلك أن العلاقات الثنائية على مستوى القاعدة التحتية على الأقل لم تصل الى المستوى المطلوب، لكن، كل ذلك لن يدفع الى الغضب السياسي، من هنا، فإن الأنباء المتناقلة عن وجود حالة غضب ينبغي أن تستوقفنا كثيرا لربما يكون هناك تطور في الكواليس قد ولد حالة الغضب المفاجئة، وهذا ما جعلنا نتساءل عن مدى صحة هذا النبأ؟ وإذا كان صحيحا، فما الجديد الذي يدفع ببلادنا إلى الغضب؟ خاصة إذا ما علمنا بأن مفردة الغضب لن نجد لها أصلا في التاريخ السياسي الحديث لبلادنا ليس مع الشقيقة الإمارات وإنما مع كل دول العالم، بحكم ما عرف عن السياسة العمانية من سمات الهدوء والحكمة وبعد النظر وعدم غلق كل الأبواب مهما كانت الخلافات، ولو كان هناك غضب مستجد ـ لا قدر الله- فهذا معناه، أن هناك حالة اللا وعي غير مسيطر عليها قد أصبحت تقود الظرفية الجديدة، وقد يكون دافعها غرور المال هناك، وجنوح التاريخ هنا، وهذا ما يحملنا إلى الدعوة لإدراك مسلمات التعايش الحديثة بين دولتين يحس شعبيهما بالكيان الواحد والمصير الواحد، ومن خلال هذه الدعوة نستحضر التساؤل السالف الذكر حول حقيقة الغضب؟ حاولنا، وهذه من المرات النادرة جدا، استقصاء الحقيقة، فماذا كانت النتيجة؟ وصفت تلك الأنباء بالغلط، وبضريبة طغيان وسائل التواصل الاجتماعي الحرة على المرحلة الراهنة، وقد تم التلويح بوجود مشاريع اقتصادية كبيرة بين البلدين الشقيقين، وكان هذا كافيا للاستدلال على وضع العلاقات العمانية الإماراتية، وفي إطار هذا التلويح تم التأكيد على وجود حياة مشتركة مع الأشقاء الإماراتيين، ومفردة،، حياة مشتركة،، قد كان له وقع مثير على خاصية سمعنا، ففي البداية طربت لها الأسماع، ورقصت على أنغامها مشاعر الود والإخاء، غير أننا لما تعمقنا في مدلولاتها ومضامينها، فقد وجدناها قابلة لتفسيرين متضادين تماما، حيث يمكن توصيف الحياة المشتركة من حيث المبدأ إلى حالتين رئيسيتين هما، حالة الانسجام بين البلدين، والأخرى الحالة المعاكسة القائمة على التناقضات، أي عدم الانسجام، وهذان التوصيفان ينطبقان على كل حياة مشتركة على مستوى دول ذات خصوصية كالحالة العمانية الإماراتية أو على مستوى الأفراد والأسر، فتهنا في معمعة التوصيفات ودلالتها، أما إذا ما ابعدنا أنفسنا عن تحليل المفردات واستنطاق دلالاتها، فإن فهمنا العام الذي خرجنا به من خلال عملية الاستقصاء تشير إلى عدم وجود حالة غضب سياسية كما تتناقله تلك الأنباء، لكننا نخشى حدوثه مستقبلا إذا لم يدرك الوعي السياسي متطلبات اللحظة الحاسمة، وهذا تذكير للذات الواحدة المتوزعة في شطرين جغرافيين، وقد آن لهما أن يبحثا عن وسائل التقاء جديدة أقرب للوحدة مع احتفاظهما بخصوصياتهما السياسية، نعم، آن لهما فعل ذلك بعد ما فشل مجلس التعاون الخليجي من أن يجد لنا الوحدة الحقيقية بعيدا عن نوايا الابتلاع، فهل يمكن تحقيق مفهوم المواطنة الواحدة بين شطري الجغرافيتين، العمانية والإماراتية؟ نفتح هذا الملف الآن بعيدا عن ما يتداول من وجود حالة غضب تهيمن على علاقات الأشقاء، وقد وجدنا فيها أي الواقعة الفرصة المواتية للتفكير في إيجاد نقلة تاريخية بين الشطرين ففي ذلك مصلحة أمنية وسياسية للإمارات بحكم ما يواجهها من تحديات متعاظمة مستقبلا، وبالذات إقليميا، وفي المقابل مصلحة اقتصادية لعمان بحكم الفارق الكبير في ثروات البلدين، نتمنى أن تبحث هذه الفكرة على خلفية تلك الأنباء التي قد يكون منبعها ـ إن وجد لها منبع ـ التعبير عن مشاعر اجتماعية أكثر من التعبير عن موقف سياسي، وهناك فرق كبير بين الجانبين، فالأول ينحاز للعواطف، والثاني للعقلانية، ودائما تكون السياسة العمانية محكومة بالعقلانية، من هنا نستبعد الغضب السياسي تماما ونميل إلى ترجيح بعده الاجتماعي بصرف عن مصدره، سواء كان سياسيا أو برلمانيا أو اقتصاديا، وهذا اجتهادنا في التفسير لمفردة،، حياة مشتركة،، وتأويلاتنا لما وراء استقصاءاتنا الهاتفية مع التأكيد على ضرورات التفكير الايجابي الذي يدرك أهمية الاحتكام للأفضل في اللحظة الحاسمة، وهي لحظة تحتم أن تكون الحياة المشتركة مع الأشقاء في انسجام تام وكامل وغير منقوص، ونعتقد أن بعض المبادرات الطيبة التي تحمل مؤشرات تأسيسية لهذا الانسجام مثل المشاريع الاقتصادية الكبيرة وخطوة طيران الاتحاد توظيف (400) شاب عماني من مخرجاتنا الجامعية المختلفة التخصصات سنويا على وطائف ومهن معتبرة بعد إعادة تأهيلهم وتعليمهم، لكنها خطوات غير كافية، وتحتاج إلى خطوات سياسية واجتماعية واقتصادية لتحقيق الانسجام التام بين الأشقاء، وهو رهان البلدين معا .. الخ .
د.عبدالله باحجاج/السلطنة والإمارات..وضرورات الانسجام التام
30
المقالة السابقة