محقون الذين يشكون بقدرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الجارية في واشنطن، الان، على اختراق حالة الجمود الراهنة، في العملية السلمية، نحو حل قريب مما استهدفته مبادرة السلام العربية، ولحالات سياسية ثلاث مستحكمة. أولا، أنها لم تعتمد أي مرجعية سياسية كان تناسيها وإغفالها سببا مباشرا في استمرار وتفاقم الصراع العربي الإسرائيلي، وذلك على الرغم من كل التصريحات التفاوضية التي سمعناها الأسبوع الماضي؛ ثانيا، أنها تجيء في خضم وضع سياسي في المنطقة لا يمثل ضغطا على إسرائيل، بل مما تحسبه إسرائيل فرصة مواتية للفوز بكل ما اغتصبته من أرض وحقوق؛ ثالثا، لأن الأهداف الأمريكية من إجرائها في هذا الوقت بالذات، أهداف أمريكية داخلية صرفة.
فإسرائيل لا تعترف بأن الضفة الغربية والقدس الشرقية أرضا محتلة؛ بل ترى فيها، وفقا لاتفاقات أوسلو وتفسيرها للقرار/242، أرضا متنازعا عليها قابلة للتفاوض بشأنها؛ وأن الاستيطان حق للإسرائيليين أعلنوا أنهم لا يتنازلون عنه؛ وأن القدس عاصمة إسرائيل الموحدة؛ وأن على الفلسطينيين أن ينسوا حق اللاجئين في العودة وحتى في التعويض؛ وأن أي كيان فلسطيني قد ينتهي الاتفاق إليه، سيكون، في أفضل أحواله، أشبه ببانتونستان مما نعرفه كان قائما في جنوب إفريقيا العنصرية؛ وأن أي تفاهم مع الفلسطينيين، حول أية قضية، لا قيمة له إلا إذا جاء ضمن اتفاق عام مقبول لدى الطرفين لا يحسب نهائيا ما لم يقبله الشعب الإسرائيلي في استفتاء عام.
ثانيا، لا تساعد الفلسطينيين الظروف السياسية الراهنة، في المنطقة؛ بل إنها، في حالتها القائمة، تشجع إسرائيل على التعنت في مواقفها؛ فقد نجحت وأصدقاؤها في تدمير لعراق وسوريا، وإخراجهما من ساحة النزال؛ كما نجحت في إبعاد مصر عن الساحة لفترة طويلة، وعندما عادت مصر، بعد ثورة 30 حزيران، لدورها ومكانتها، أخذت تتعرض لما يشبه الحرب الأهلية التي تتمنى إسرائيل وأصدقاؤها أن تنتهي بتدميرها كما فعلوا مع سوريا.
أما الأردن الصامد، على الرغم من كل محاولات النيل منه، فهم بصدد التعرض له، بأساليب وشعارات ومحاولات تمثل أفضل ما يمكن للمستوطنين أن يفعلوه. فاستقرار الأردن يمثل عقبة أمام استكمال إسرائيل لكل الشروط السياسية التي تمكنها من تحقيق كل أهدافها الاستراتيجية، في المنطقة.
ثالثا، يصرح المسؤولون الأمريكيون أن المحادثات لا تستهدف سوى التوصل إلى برنامج إجرائي يحدد مكان المفاوضات، وتوقيتاتها، وحدودها، وأن الفترة اللازمة لتحقيق ذلك ستكون تسعة أشهر تقريبا؛ وأن مهتهم ستكون تأمين استمرارها ونجاحها.
يرى المتشككون أن المفاوضات تستهدف، بالدرجة الأولى، (1)منع تحرك الفلسطينيين، في أيلول القادم، لنيل اعتراف الأمم المتحدة بدولتهم دولة عضوا فيها؛ و(2) تعطيل ذهابهم، إن فشلوا، لمحكمة العدل الدولية لاستصدار حكم ضد احتلال إسرائيل أراضي دولة من دول الأمم المتحدة؛ ثم(3)إفشال تحركهم للانضمام لمنظمات دولية متخصصة، كما يتحدثون، في نيويورك.
وهو تحرك كان سيلحق بإسرائيل، لو أتيحت له الفرصة ليبدأ، هزيمة سياسية وأخلاقية، وخاصة أنه يجيء بعد رفض الاتحاد الأوروبي التعامل مع المستوطنين ومستوطناتهم كجزء منها. وقد قبلت إسرائيل بالذهاب للمفاوضات لمنع ذلك، أولا.
وهاهي المفاوضات تعقد، بكل نتائجها الخطيرة التي نعرفها، مسبقا، معرفة أكيدة، فهل سنتمكن من تلافي تلك النتائج؟