يحاول البعض أن يصور المشهد الحاصل في مصر حاليا على أنه صراع بين الفريق أول عبدالفتاح السيسي النائب الأول لرئيس الوزراء وزير الدفاع المصري وبين الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي .. مثلما حدث يوم السادس والعشرين من يوليو الماضي في تناول العديد من وسائل الإعلام المصرية والعربية والعالمية لمشهد ملايين المصريين الذين خرجوا في هذا اليوم لتفويض القوات المسلحة المصرية لمواجهة العنف والإرهاب، حيث أطلقت عليهم “أنصار ومؤيدي السيسي”، بينما وصفت المعتصمين في رابعة العدوية وميدان النهضة بأنهم “أنصار ومؤيدي مرسي”، وهو وصف في مجمله يتنافى مع الحقيقة .. فالصراع الدائر حاليا ليس صراعا على السلطة بين شخصين، وإنما صراع من طرف جماعة الإخوان المسلمين من أجل استرداد السلطة التي زالت عنهم!!
كم عدد الذين خرجوا إلى الميادين والشوارع لتفويض الجيش لمواجهة العنف والإرهاب .. وعدد الذين خرجوا تأييدا للرئيس المعزول محمد مرسي؟!.. كان هذا هو السؤال الأبرز لدى فئة من المراقبيين والمحللين لتسليط الضوء على حالة الانقسام التي تتسع داخل المجتمع المصري .. وهي مقارنة ليست في محلها لأن مواجهة العنف والإرهاب مطلب شعبي “بينما جمعة كسر الانقلاب أو “جمعة الفرقان”، كما أسمتها جماعة الإخوان وأنصارها “مطلب فئوي” تطالب به جماعة هي مجرد جزء من هذا الشعب .. هذا من حيث المنطق، أما من حيث الأرقام فالمقارنة أيضا ظالمة فكيف نقارن بين 30 مليون مصري ـ لا تحركهم أي انتماءات سوى الانتماء لهذا الوطن والحفاظ عليه ـ خرجوا لتفويض الجيش من أجل مواجهة أعمال العنف التي باتت تهدد استقرار الوطن .. وبين مليون مصري على أقصى تقدير يطالبون بإنهاء ما أسموه بالانقلاب وعودة الرئيس مرسي لاستكمال فترة رئاسته الأولى والتي صارت الأخيرة أيضا!!
مشكلة جماعة الإخوان أنها لا تريد أن تعترف بالحقيقة .. رغم أنها ليست حقيقة غائبة وإنما هي في الواقع حقيقة ساطعة تسد عين الشمس، وهي أن فشل سياسات جماعة الإخوان هو الذي أوصلهم إلى تلك النهاية .. حيث انشغلت الجماعة خلال عامها الأول والأخير في الحكم بمواجهات وصراعات مع كل مؤسسات الدولة تقريبا .. بدءا بالمؤسسة العسكرية، مرورا بالقضاء والأزهر والكنيسة والإعلام وأخيرا المثقفين على خلفية قيام جماعة الإخوان بتعيين وزير لحقيبة “الثقافة” لمجرد أنه ينتمي إليهم بشكل أو بآخر، وهو ما أغضب رجال الفكر والأدب والثقافة والفنون، معلنين اعتصامهم في مكتبه لتأتي ثورة الـ30 من يونيو لتطيح بهذا الوزير الذي لم يدخل مكتبه قط!!
جماعة الإخوان لا تزال تصر على أن ما حدث يومي الـ30 من يونيو والـ3 من يوليو انقلاب على الشرعية، في حين على الجانب الآخر هناك من يرى أنه ليس انقلابا، وإنما زحف شعبي غير مسبوق حين خرج الشعب المصري ليعلن تمرده ويطالب بإسقاط حكم الإخوان الذي ـ حسب الرأي الآخر ـ شهدت مصر خلاله أزمات عديدة أخطرها تهديد الأمن القومي المصري وما يجري في شمال سيناء من هجوم إرهابي يومي على أكمنة الجيش والشرطة في العريش والشيخ زويد ورفح يعلمه العالم أجمع .. والقوات المسلحة المصرية أعلنت خريطة الطريق استجابة لإرادة شعب أسقط الشرعية عن الرئيس!!
مأزق الجماعة الحقيقي ربما هو تصورها أنها لن تعود إلى الحكم لعدة عقود بعد أن انهارت شعبيتها بين عامة الشعب، مع أن التصور والواقع شيء آخر، فليس الخروج من السلطة يعني نهاية المطاف، وهذا ما يجب أن تعيه الجماعة، بل عليها أن تعدل ما وقعت فيه من أخطاء وتأخذ الواقع المصري من جميع زواياه.
إن مذبحة المنصة التي جرت فجر السبت الماضي وأودت بحياة العشرات وإصابة المئات المسؤول الأول عنها ـ حسب بعض الروايات ـ هم جماعة الإخوان حين قرروا توسيع نطاق اعتصامهم بالامتداد مسافة ما يقرب من كيلومتر وبناء أسوار حجرية على أهم طريق يربط مدينة نصر، وهو ما شكل استفزازا لرجال الأمن الذين حصلوا للتو على تفويض الشعب لمواجهة العنف والإرهاب .. وأمام هذا المشهد اضطرت الشرطة لاستخدام القنابل المسيلة للدموع لإبعاد وتفريق هؤلاء المعتصمين الذين رد بعضهم ـ حسب وزارة الداخلية ـ بإطلاق الأعيرة النارية، وهو ما أدى إلى مبادلتهم إطلاق النيران ليسقط عشرات الضحايا ومئات المصابين.
ثمة اعتقاد سائد لدى عدد من المراقبين بأن جماعة الإخوان أدركت تماما أنها قد فقدت رصيدها في الشارع المصري، وأنه لو جرت انتخابات برلمانية مقبلة لن تحصل سوى على مقاعد تقل كثيرا عن المقاعد التي كانت تحصل عليها أيام نظام حكم مبارك .. وهذا هو السبب الذي دفع الرئيس المعزول محمد مرسي لرفض فكرة إجراء استفتاء على بقائه لأنه كان يدرك هو وجماعته النتيجة التي كانت ستطيح به بكل تأكيد .. وأن أمام هذا المأزق تم تصوير ثورة الـ30 من يونيو على أنها ثورة ضد الإسلام وكأن غالبية الشعب المصري غير مسلمين .. فالصراع الحالي ليس صراعا دينيا!!
سامي حامد صحفي وكاتب مصري
Samyhamed65@yahoo.com