الشباب المصريون والتونسيون يرون أنه لابد من ثورة ثانية من أجل تحقيق الثورة لأهدافها.. هذا بالضبط ما خلص إليه استطلاع أجراه مركز الجزيرة للدراسات على فئة الشباب في دول الربيع العربي في شهري أبريل ومايو الماضيين، أي قبل انقلاب الجنرالات على الرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي واغتيال الناشط التونسي اليساري محمد البراهمي.
ثلث المستطلعين الشباب في البلدين تقريبا أشاروا إلى الحاجة إلى ثورة ثانية لتصحيح مسار الثورة، مما يعني أن الأرضية ممهدة لحالة من عدم الاستقرار بسبب الغضب والإحباط الشعبي بعد أكثر من عامين ونصف على اندلاع الثورات التي نجحت بالإطاحة بأنظمة لم يكن يتصور أحدا إمكانية خلعها، لكن نسبا معتبرة من الشباب المستطلعين في مصر طالبوا بمرجعة السياسات وكان اللافت أن نصف الشباب الليبي واليمني تقريبا طالبوا بمنح الثورة المزيد من الوقت لتحقيق أهدافها.
استطلاع الجزيرة تطرق إلى أربعة محاور هي الهوية والانتماء وأسباب الثورة وعوامل نجاحها وتقييم الثورة ومستقبلها، ويلفت الانتباه في سؤال الهوية إلى أن قرابة 62 في المائة من الشباب في مصر قالوا إنهم مصريون أولا و35 في المائة إنهم مسلمون، لكن العكس كان هو السائد في تونس وليبيا واليمن حيث اعتبر أكثر من نصف الشباب التونسيين وثلثي اليمنيين وثلاثة أرباع الليبيين أنهم مسلمون أولا، وكانت هذه النتيجة لافتة جدا للأنظار، فالمصري يقدم مصريته على أي هوية أخرى ويعتبر أن “الهوية المصرية” هي الهوية الأساسية في حين يعتبر الهويات الأخرى عبارة عن “هويات فرعية أو ثانوية”، لكن الكارثة الكبرى التي أظهرها الاستطلاع هي “النكوص عن العروبة”، والانتماء العربي في تعريف الهوية، فقد عرف 1.7 و2.8 و3.9 و5.7 في المائة من الشباب المصريين والليبيين واليمنيين والتونسيين أنفسهم على التوالي أنهم عرب”، وجاء هذا الانتماء في ذلك ذيل القائمة، الأمر الذي يقرع ناقوس الخطر على الانتماء للهوية العربية، وفيما إذا كانت هذه الهوية “غير مرغوب بها” حاليا بين الشباب العربي لصالح الهوية الإسلامية أو الهوية الوطنية المحلية، الأمر الذي يحتاج إلى دراسة وتمحيص.
لكن سؤال الهوية لا يقف عن هذا الحد فقد بينت النتائج أن غالبية الشباب العرب يوافقون على اعتبار الشريعة الإسلامية مصدرا أساسيا للتشريع بنسب وصلت إلى 57 و64 و89 و93 في المائة في مصر وتونس واليمن وليبيا على التوالي، وهذا يظهر أن التوجه العام في العالم العربي هو مع الشريعة الإسلامية، مع الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من الشباب العربي غير راضين عن الخطاب السياسي للأحزاب الإسلامية، رغم تأييدهم الشريعة الإسلامية.
برز كذلك من النتائج اللافتة أن الغالبية العظمى من الشباب في مصر وتونس وليبيا لا ينتمون إلى أحزاب سياسية بنسب وصلت إلى 97 و96 و92 على التوالي، كما أنهم لا ينوون الانتماء إلى أحزاب في المستقبل بنسب تراوحت بين 85 – 95 في المائة، وكان الاستثناء الوحيد هو اليمن الذي ينتمي أكثر من ثلث شبابه لأحزاب سياسية وينوي 10 في المائة من الشباب اليمني الانضمام إلى الأحزاب مستقبلا، مما يدل على أن الأحزاب تجد نجاحا جزئيا في اليمن في حين تواجه حالة من الفشل الذريع في دول الربيع العربي، الأمر الذي يكشف بؤس الحالة الحزبية في هذه الدول وأنها لا تعبر عن التطلعات الشبابية، وأن هناك فجوة كبيرة بين هذه الأحزاب والأجيال الجديدة.
إلا أن هذه الاختلافات تذوب تماما عن الحديث عن الجيش وضرورة أبعاده عن الحياة السياسية فقد أكد ثلاثة أرباع الشباب العرب المستطلعة رغبتهم بإبعاد الجيش عن السياسة وبقاء العسكر في ثكناتهم وإبقائهم بعيدا عن الحكم والسلطة. بنسب وصلت إلى 69 و72 و83 و84 في المائة في تونس ومصر وليبيا واليمن.
وخلافا للاتفاق الشامل بين الجميع على ضرورة أبعد الجيوش عن المشهد السياسي برز اختلاف كبير بين الشباب العرب حول تقييم نجاح الثورة فقد اعتبر 44 و38 في المائة من الشباب في مصر واليمن أن الثورة لم تنجح ولم تفشل، في حين أكد 54 في المائة من الشباب التونسيين فشل الثورة وعلى العكس من ذلك قال 64 في المائة من الشباب الليبيين إن الثورة نجحت، وباستثناء ليبيا فإن الثورات تواجه معضلة كبيرة لأن نسبة المؤمنين بنجاح الثورات قليلة (14 و17 و37) في المائة في كل من تونس ومصر واليمن.
هذه النتائج تعكس حالة من عدم رضا الشباب على مجمل الأوضاع في مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة أو رؤوسها، ويعبر عن إحباطهم بسبب عدم تحسن الأوضاع الاقتصادية والأمنية وإبعادهم عن المشاركة السياسية وعدم حضور قضاياهم وخطابهم في الخطاب السياسي وبرامج الأحزاب أو النخب الحاكمة، وتهميشهم رغم كونهم القوة الرئيسية التي فجرت الثورة وصنعت التغيير، وعدم منحهم الدور الذي يتناسب مع دورهم في التغيير
هذا الاستطلاع، الذي يعتبر الأول من نوعه في حجمه منذ تأسيس مركز الجزيرة للدراسات، يميط اللثام عن كثير من القضايا التي كنا نتعامل مع عكسها على أنها من باب البديهيات مما يقودنا إلى استخلاصات خاطئة، وهو استطلاع مهم لأنه شمل الشباب من الأعمار ما بين 17-31 وهي الشريحة الأهم في العالم العربي خاصة في دول الربيع العربي، ومهم أيضا لأنه وضع عددا كبيرا من القضايا تحت مجهر البحث، وهذا يتطلب قراءة شاملة لهذا الاستطلاع والتوسع في تحليل النتائج المهمة التي أفضى إليها حتى نتمكن من رسم سياسات واستراتيجيات صحيحة لما يجري في الدول العربية التي لا تزال تعيش مخاضا صعبا وشاقا ودمويا.