من أين للإخوان المسلمين في الأردن هذه الجرعة من التطرف والتي بدأت قبل الربيع العربي وتصاعدت بصعوده ويبدو لي كمراقب أن إخوان الأردن الذين عرفوا السلطة هنا وشاركوا فيها وكانوا في فترات تاريخية من أدواتها الفاعلة..ولم تعرف أوساطهم المطاردة والسجون والتهميش والتنكيل كما عاش غيرهم أو إخوانهم في مصر وغير مصر من البلاد العربية التي ضيقت عليهم بدرجات متفاوتة وبدل أن يبرد اخوان الأردن نزوع اخوانهم في البلاد العربية وعبر الحدود استقطبوا سخونتهم وتأثروا بهم أخيراً في حالة لافتة للانتباه إذ ظل اخوان الأردن عبر الحركة الاسلامية العالمية للاخوان في زمن الملك الحسين الأكثر رشداً وعقلانية ووعياً وقد ساهموا هنا في صياغة الميثاق الوطني الذي دعى لوضعه الملك الراحل الحسين عام 1990 بعد أن كانوا من قبل ذراع الدولة في مكافحة الشيوعية والناصرية والفكر القومي..في الميثاق الوطني شاركوا بفعالية وكان تمثيلهم قد جاء بأسماء الدكتور عبد اللطيف عربيات والدكتور اسحق الفرحان والدكتور عبدالله العكايلة أطال الله أعمارهم والراحل أحمد الأقطش الأزايدة..
أفاد الاخوان المسلمون في الأردن من الميثاق الوطني حين وجدوا أنفسهم كجمعية خيرية غير مرخصة للعمل السياسي وأمام زخم نشاطهم السياسي المتزايد انهم مضطرون لتأسيس حزب يعملون في اطاره وبالفعل أقاموا حزب جبهة العمل الاسلامي ورخصوه وقد سمحوا في البداية ليدخل إلى حزبهم عينات من غير الإخوان ما لبثوا أن غادروا لعدم قبول الاخوان للآخر وعدم ايمانهم بالتعددية الفكرية والسياسية وتبلور الحزب ليكون حزب الجماعة الخالص..ورغم أن الحكومة التي صدر في عهدها الميثاق/ حكومة مضر بدران/ لم تُفعلّه ووضعته في الأدراج ليجمد فإن الفائدة الأساس هي أن الميثاق شرع للأحزاب ومع أن أحزاباً عدة قامت الا أنها ما لبثت أن ذوت وتراجعت إلى أن بلغنا حالاً بعد أكثر من عشرين سنة لم نجد فيها إلا حزباً واحداً يحتكر الساحة ويقوي على الحركة الفاعلة في حين ظلت بقية الأحزاب إما أنها تبحث عن هوية أو دور أو برنامج أو طريقاً يمكنها من المشاركة ولم تقو الأحزاب الأردنية المرخصة العديدة أن تصل إلى البرلمان بالحجم المأمول ولذا تعثرت المسيرة الديموقراطية وأبطأت حركة الاصلاح ولم ينجح البرلمان الأردني الجديد في عكس التعددية السياسية والحزبية رغم دخول قوائم وطنية اليه قد تؤسس لعمل حزبي لاحق..
في الفترة الماضية ومنذ تأسيس حزب جبهة العمل الاسلامي في التسعينات من القرن الماضي بعد اقرار الميثاق الوطني وقانون الأحزاب الأصلي ظل الاخوان المسلمون في الأردن يعملون من خلال الحزب ويجعلونه واجهتهم التي لم تكن تغطي النشاط الكبير لجماعة الاخوان في الأردن والتي كانت تبرز من وراء المسرح السياسي في مناسبات عديدة وبشكل قوى ظلت الدولة تغمض العين عنه وتراعي وتطنش إلى أن جاء الربيع العربي الذي أخذ الاسلاميون (الإخوان المسلمون) منه حصصاً كبيرة في تونس وليبيا ومصر والمغرب وغيرها فاختفى الحزب جبهة العمل أو كاد وتراجع لتظهر الجماعة بمراقبها العام في الواجهة وانتخابات مجالس الشورى وجرى دحر الحزب أو كاد..وأمام النشاط المتعاظم لجماعة الاخوان التي راحت تؤكد ارتباطها وتبعيتها أحياناً لما يجري خارج الأردن وتتأثر به وتعكسه على الداخل كما في المظاهرات أمام السفارة المصرية في عمان أخيراً والتصريحات التي أطلقها المراقب العام الدكتور همام سعيد كما أوردتها صحيفة القدس العربي «الدكتور مرسي هو رئيس مصر الشرعي وسيبقى كذلك حتى لو دفعنا الغالي والثمين ولن يقف مشروعنا الاسلامي في كل الدول العربية الاسلامية كائناً من كان مهما تكالبت علينا مخابراتهم وجيوشهم» وهذا التصريح وغيره دفع بعض المصادر الإخبارية لتقول أن قيادة الجماعة قد فوضت الدكتور همام سعيد اثر مطاردة المرشد للجماعة بديع في مصر وأن لهجة الخطاب لهمام تعكس ذلك مما اوجد حساسية لدى السلطة هنا خاصة حين اعترض الاخوان هنا على زيارة الملك عبد الله الثاني للقاهرة..وكانت تصريحات المرشد بديع ايضاً قد استفزت حتى تنظيمات اسلامية عديدة ومعظم الشارع الاسلامي حين قال «إن حكم مرسي وبقاؤه يفوق من هدم الكعبة حجراً حجراً» وهو ما يلفت إلى عطش الاخوان للسلطة وما كان في نموذج حماس وما زال من قبل فهل تنتقل النسخة المصرية من الاخوان إلى الأردن؟ وكيف يتعامل الأردن مع المتغيرات التي اصابت الاخوان هنا؟ وهل سيسمح لهم الذهاب إلى مغارة الضبع أو اعلان الجهاد في مصر أو على طريقة «إياك أعني واسمعي يا جارة» خاصة وأن الحرب في سوريا ما زالت وأن الاخفاق يصيب دور الاخوان وقيادتهم في تونس وليبيا والمغرب ومصر بعد عزل مرسي فهل يستفز ذلك الاخوان في الأردن ويجعلهم أكثر تطرفاً ليقعوا في مصيدة القانون لأنهم غير مرخصين أم يدركوا كما ادرك العقلاء الذين شاركوا في الميثاق الوطني الأردني عام 1990 خصوصية الدولة وقوانينها ومراعاة أمنها واستقرارها وعدم التدخل في شؤون الآخرين الذين لا تسمح الدولة لهم بالمقابل التدخل في شأنها..
ما زلت أذكر كلام الراحل ابراهيم بكر (قومي) في لجنة الميثاق الوطني عشية بدء الجلسات وقد همس لعبد اللطيف عربيات في جواره (يجب علينا أن نعبر بالميثاق الوطني على نقاط الالتقاء)..
فهل يقول ذلك الآن ابو سليمان لإخوانه ليعبروا هذه المرحلة بدل فتح الدفاتر وتقليب المواجع واجترار المرارة؟ هل ينتظموا مجدداً كما انتظم اخوانهم في الميثاق من أجل أردن أكثر أمناً واستقراراً وهم يدركون أن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج وأن درء المفاسد أولى من جلب المنافع وأن بلدنا أولى بالأمن من غيره حين تضيق الأرض بما رحبت!!
alhattabsultan@gmail.com