تستعد الكويت بعد انتخابات مجلس الأمة التي أجريت أمس الأول– السبت لمرحلة جديدة في مسارها الديمقراطي والسياسي وربما تنهي وفق رؤية بعض المراقبين حالة التوتر التي سادت خلال السنوات المنصرمة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مما انعكس سلبيا على الصورة الذهنية للتجربة الديمقراطية في هذه الدولة التي تعد من أوائل دول المنطقة تفاعلا مع محددات الديمقراطية القائمة على الاقتراع الحر المباشر وممارسة البرلمان لدوره الرقابي بفعالية وكفاءة إلى جانب دوره التشريعي إلى الحد الذي يمكن القول معه أن مجلس الأمة بات يشكل رقما مهما في المعادلة السياسية بالكويت مما حدا ببعض الدوائر المتنفذة داخل السلطة العليا إلى محاولة التأثير على هذه الدور ودفعه إلى الخفوت وربما الصمت أحيانا.
وعلى مدى الأيام الخمسة الماضية كنت في قلب المعركة الانتخابية التي كانت ملتهبة سواء عبر مناخ الصيف الشديد الحرارة أو عبر الحملات والحملات المضادة بين المرشحين الذين بلغ عددهم 321 شخصا من بينهم ثمانية نساء والتي استعملت فيها كافة الأسلحة من العيار الثقيل وتبادل الاتهامات وسعى البعض إلى وسائل متعددة بما في ذلك شراء الأصوات وهى القضية التي تصدت لها الأجهزة الأمنية والنيابة العامة بقوة فتم وقف أكثر من مرشح تجمعت معلومات جادة وتحريات صادقة – وفق تعبير اللواء محمود الدوسري الوكيل المساعد لوزير الداخلية والقائد الميداني المسئول عن تأمين العملية الانتخابية – عن تورطهم في هذه الممارسة البغيضة على حد قوله.
لقد شهدت عملية الاقتراع على الرغم من الصيام وارتفاع حرارة الصيف إقبالا ملحوظا من الكويتيين للإدلاء بأصواتهم مع وجود دعوات قوية بالمقاطعة والتي لم يستجب لها إلا أعداد محدودة وقد وفرت الجهات المعنية كل التيسيرات والتسهيلات اللوجستية للمشاركة في هذه الانتخابات بما في ذلك وجبات الإفطار في مراكز الاقتراع التي انتشرت في خمس دوائر هي إجمالي دوائر دولة الكويت مع انتشار أمني كثيف حيث شارك حوالي 11 ألف رجل أمن في تأمين لعملية الانتخابية بمختلف مراحلها وحتى فرز الأصوات والذي استمر حتى ساعة مبكرة من صباح أمس الأحد وذلك على الهواء مباشرة عبر الإذاعة والتلفزيون بما جعل عملية الانتخابات تتم في شفافية ووضوح.
والسؤال المهم في هذا السياق هو : هل من شأن هذه الانتخابات أن تدفع بالتجربة الكويتية السياسية والديمقراطية إلى الاستقرار وتجاوز حالة الاحتقان التي شهدتها البلاد خلال السنوات الماضية ؟
طرحت السؤال الذي شغلني طويلا على الشيخ سلمان الحمود وزير الإعلام الكويتي فعقب قائلا: نحن متفائلون بأن تدخل البلاد بعد هذه الانتخابات مرحلة جديدة من الاستقرار والتعاون بين مختلف سلطات الدولة لأنه من دون ذلك لن تقوم قائمة للتنمية وأيا كانت طبيعة الظروف التي مرت بها الكويت خلال المرحلة الماضية وبعضها مرت به دول المنطقة فإن الشعب الكويتي أثبت وعيه وقدرته على حماية مكتسباته الدستورية.
ويتابع الشيخ سلمان قوله : لقد جرت انتخابات الأمس وفق قانون الصوت الواحد الذي أصبح دستوريا بعد أن بسطت المحكمة الدستورية سلطتها عليه ومن ثم لم يعد ما يمكن وصفه بالخلافات الجوهرية وإن كانت هناك بعض التباينات في وجهات النظر فإن المحكمة حسمتها وما تبقى هو الرأي والرأي الآخر أو بعبارة أخرى المؤيد والمعارض وذلك من سمات العملية الديمقراطية وعلامة صحة في أي نظام سياسي بيد أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن الكويت هي في جوهرها دولة مؤسسات وثمة دستور ينظم العلاقات بين سلطاتها وبين الحاكم والمحكوم في ظل قيادة حكيمة ممثلة في أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح بتجربته الغنية والثرية ونظرته الثاقبة البعيدة مما جنب الكويت الكثير من الأنواء والعواصف التي تعرض لها العالم العربي بحنكة وذكاء مع دعم قوي من الشعب الكويتي لهذه الإجراءات
ويختتم الشيخ سلمان قوله: نعم أنا متفائل بمجلس أمة جديد يتحمل مسئولياته في إطار من التعاون والتنسيق ويجمع الأسرة الكويتية لمصلحة الوطن سعيا لتحقيق استقراره.
واللافت أن الحملات الانتخابية للمرشحين لم تقتصر على الأساليب التقليدية في الدعاية والتي تتجسد فى عقد الندوات بالمقرات الانتخابية لكل مرشح وهى عبارة عن خيام ضخمة مكيفة الهواء والظهور فى البرامج الإذاعية والتلفزيونية وتوزيع المنشورات التى تتضمن السيرة الذاتية لكل منهم وما أنجزه خلال عضويته السابقة وأهم ملامح برنامجه الانتخابي وإنما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي خاصة تويتر والفيس بوك فضلا عن المواقع الإخبارية على شبكة الانترنت دورا مهما فى التعريف بالمرشحين خاصة أن كلفتها المالية أقل وانتشارها بين الناخبين أسرع وتأثيرها فيهم أنجع.
وقد بلغ عدد المرشحين للانتخابات 418 مرشحا من بينهم 8 سيدات لكن بعد تنازل 89 مرشحا في الساعات قبل الأخيرة لعملية الاقتراع وصل العدد إلى 321 مرشحا من بينهم مرشح واحد حاصل على الشهادة الابتدائية بينما بلغ عدد من حصلوا على الشهادة المتوسطة 26 مرشحا والذين حصلوا على الثانوية العامة 84 مرشحا فى حين بلغ عدد الحاصلين على الدبلوم 72 مرشحا وبلغ عدد حاملي شهادة البكالوريوس 143 مرشحا بينما بلغ من يحمل شهادة الماجستير 51 مرشحا وحملة الدكتوراه 41 مرشحا.
على أي حال تنتظر البرلمان الكويتي الجديد جملة من القضايا والملفات الساخنة والتي طرحها المرشحون خلال حملاتهم الانتخابية وهى في أغلبها تتعلق بمحاربة الفساد والبطالة والتعليم ومشروعات البنية التحتية وحل مشكلات الجنسية والبدون وغيرها فضلا عن تعديلات ضرورية فى تشريعات يرى البعض أنها لم تعد تتلاءم مع العصر وزاخرة بالثغرات التى تتيح النفاذ منها إلى تحقيق أهداف خاصة لأصحاب النفوذ وفق رؤية البعض.
السطر الأخير: يارب أسألك أن تعيد للمحروسة شعورها بالأمان وبهاء المودة بين بنيها الذين باتوا يقتتلون فيما بينهم وتسفك دماؤهم يارب لا تتركهم يواصلون مسيرة الدم أعد لهم عقلهم وقدرتهم على التوحد وإعلاء قيمة الوطن.