هذه لحظات عصيبة على مصر، وهي في مخاض انتظرته طويلاً منذ هزيمة عبد الناصر في اليمن وعندها كان الانهيار لمشروع الدولة العربية القومية وهي الهزيمة التي توجتها هزيمة 1967 كما انها امتداد لهزيمة الدولة المصرية الحديثة التي انشأها محمد علي باشا وقضى عليها الغرب الغازي حين خرجت مصر من رحم التبعية العثمانية ليتناوب استعمارها الفرنسيون والانجليز..مصر الآن أمام خيارات صعبة، فإما أن تمضي خلف عسكرها الوطني لتبلور الدولة المدنية الحديثة التي تأخرت نصف قرن ولم تتمكن من اللحاق بتركيا وكوريا ودول أخرى بدأت معها النهوض حين تعثرت لعوامل عديدة وإما أن تعاود السقوط في يد الاخوان المسلمين الذين يمارسون الآن أقسى درجات الابتزاز للدولة المصرية منذ دحرهم الشارع في هبّة 30 يونيو حزيران 2013 التي خرجت لتصحيح مسار ثورة (25 يناير) حين قفز الإخوان على الثورة وأجهضوها وانقضوا على مفاصل الدولة وحاصروا الاخوان فكانت الأخونة هي الأولوية قبل بناء الدولة التعددية والاجابة على أسئلة الثورة العالقة..
كان على مرسي الذي ورث أزمات كبيرة من الفساد وسوء الادارة وسياسة الحزب الواحد أن يعالج هذه المشاكل لكل مصر وباسم مصر، فمصر كانت مكبلة باتفاقيات كامب ديفيد والهيمنة الأميركية التي افقدتها دورها التاريخي في الاقليم والمنطقة وأفقدتها كرامة شعبها بمواصلة اذلاله الوطني والقومي بالاستقواء عليها واستفزاز مشاعر المصريين بالحرب على غزة وامعان النظام (مبارك) في حدمة اسرائيل وأهدافها..
كان على مرسي أن يصدر الازمة باتجاه اسرائيل تحديداً طالما أنه كان منتخباً وتمتع باختيار الأغلبية المصرية التي يمكنها ان تجر كل النصف الآخر من المصريين لتأييده لو ذهب باتجاه انذار اسرائيل لفك الحصار عن غزة ووقف هيمنتها في سيناء وتحلل من اتفاقيات كامب ديفيد الظالمة ولكنه ولأسباب تتعلق بمحاولته كسب الأميركيين ومهادنة الاسرائيليين والتمسك بالحكم صدر الأزمة باتجاه أثيوبيا بخصوص مياه النيل وحرف بوصلة مصر التاريخية التي اعتبرت عبد الناصر رمزها رغم هزيمة عام 1967 في حين لم تقبل زعماء آخرين أضاعوا أهدافها في الصراع الوطني والقومي باتجاهاته الصحيحة.
لو أن مرسي منذ يومه الأول حدد بالضبط أصدقاء مصر (كلها) وأعداءها لما جرى الإطاحة به ولكان أشفى كرامة المصريين ولانه أخطأ وذهب يخدم الحزب (الاخوان) والمرشد والأخونة والعمل خارج الحدود لصالح الحزب السياسي وليس لصالح الدولة المصرية الوطنية ومجالها الحيوي وأهدافها ودورها المحوري.
سقط مرسي منذ أيامه الأولى لأنه لم يمسك بأهداف مصر ولم يحسن الحالة المصرية لا على مستوى الرغيف ولا على مستوى الكرامة..ولذا عبر السيسي من هذا الفراغ القاتل ليعيد لمصر شيئاً من شعاراتها وأهدافها وحلمها في دولة ديموقراطية وطنية مدنية مستقلة فهل تنجح؟..
أمام الاخوان السيناريوات التالية..إما أن يركبوا رؤوسهم ويستمروا في المعارضة ثم يسلحوها ويصادموا الجيش ويخوضوا حروباً ارهابية تدمرهم وتدمر مصر ومقدراتها..وإما أن يوافقوا على الحوار ويذهبوا إلى صناديق الاقتراع ويقبلون بالنتائج وإما أن ينسحبوا إلى صفوف المعارضة أو المشاركة..والمأمول أن يختاروا طريقاً يحفظ استقرار مصر لا ان يذهبوا باتجاه المزيد من الدمار..معرفتي بهم تجعلني أكثر تشاؤماً فهم طلاب سلطة انتظروها طويلاً وصدقت فيهم مقولات عبد الناصر..التي سأتحدث عنها غداً
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/الإخوان..أشكال من الرهان
18
المقالة السابقة