وضع قائد الجيش المصري الفريق عبد الفتاح السيسي مصر على فوهة بركان بعد الكلمة التي ألقاها ودعا فيها المصريين للنزول إلى الشوارع يوم غد الجمعة لإعطاء الجيش “تفويضا بمواجهة ما وصفه بالإرهاب والعنف”، ويقصد بذلك المظاهرات التي ينظمها الإخوان المسلمون ومؤيدو الشرعية والرئيس محمد مرسي الذي أطاح به الانقلابيون.
لم يحتج السيسي إلا إلى أكثر من ثلاثة أسابيع ليكشف الوجه القبيح للانقلاب العسكري الذي نفذه في 3 يوليو الماضي، ويعيد الأمور إلى نصابها المعهودة لمثل هذه الانقلابات المشؤومة، فرغم الجنرالات الانقلابيين والفلول حاولوا إعطاء هذا الانقلاب “وجها مدنيا وغطاء شعبيا” إلا أن هذه المحاولة باءت بالفشل بعد نزول الجماهير المصرية المؤيدة للشرعية إلى الشوارع وإصرارها على إعادة الرئيس الشرعي المنتخب الدكتور محمد مرسي، مما دفع الجنرالات إلى احتلال الواجهة مباشرة بدل التدخل من خلف الكواليس.
لقد كانت خطة السيسي والانقلابيين هي التحكم بمقاليد السلطة من وراء ستار، وتعيين “دمى مدنية” لإرباك المشهد العام داخليا وخارجيا، وقد نجح ذلك جزئيا، إلى الدرجة التي أعلنت فيه الإدارة الأمريكية أنها لا تزال تدرس فيما إذا كان تدخل الجنرالات الانقلابيين والإطاحة بالرئيس المنتخب “انقلاب أم لا” في ممارسة انتهازية لا أخلاقية تعكس “ازدواجية المعايير” والسقوط الأخلاقي للغرب الأمريكي والأوروبي، وهو ما منح الانقلابيين فرصة لمحاولة إقامة أمر واقع وتكريسه وفرضه على مصر والعالم.
خطاب السيسي أثناء تخريج دفعة من طلبة الكلية البحرية وكلية الدفاع الجوي كشف النقاب عن كثير من الأمور الخطيرة منها أنه يعارض وجود رئيس من التيار الإسلامي وأن الخلافات مع الرئيس محمد مرسي بدأت منذ اليوم الأول وأن شقة هذه الخلافات توسعت إلى درجة الفراق بعد 7 أشهر فقط من توليه الرئاسة وأنه خدع الرئيس رغم نفيه لذلك، وأبرز علامات هذا الخداع أنه نسق مع القوى المعارضة، وأن نيته للانقلاب كانت مبيتة منذ زمن طويل، وهذا ما كشفته صحف وول ستريت جورنال الأمريكية ولوموند الفرنسية وديلي تيلغراف البريطانية وغيرها من الصحف الأمريكية والأوروبية، وأنه كان على تواصل دائم مع وزير الخارجية الأمريكي تشاك هاجل.
إلى أين تسير مصر بعد خطاب السيسي وتهديداته؟ الإجابة واضحة أنها تسير في اتجاه المواجهة بعد أن حدد السيسي “ساعة الصفر” يوم غد الجمعة لمواجهة “الإرهابيين” المؤيدين للشرعية والرئيس مرسي، وهي الدعوة التي أيدتها جبهة الإنقاذ “البرادعي وعمرو موسى وحمدين صباحي”، وحركة تمرد وحزب الوفد والفلول، وهي ساعة ستحدد مصير مصر لسنوات كثيرة مقبلة وهو الذي وصف الرئيس المنتخب بأنه “متطرف وجاهل وإرهابي” عندما منحه مهلة 48 ساعة لكي يتنحى.
مصر تحتاج إلى من ينقذها من الانزلاق إلى بحور الدم والحكم العسكري والدكتاتورية، ولابد من تدخل عاجل من كل عقلاء العرب لأن كل طرف يحشد أنصاره في الشوارع، وهي المرة الأولى التي يشهد فيها العالم العربي مثل هذه الحالة.
مصر هي العمود الفقري للعرب والعالم العربي وإذا ما وقعت في براثن العنف وعدم الاستقرار فإن ما يجري هناك لن يبقى داخل الحدود المصرية لكنه سيمتد في كل أرجاء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج.