يحتار الاتحاد الأوروبي في اعتماد التبرير الواضح لخطوته تصنيف الجناح العسكري لـ «حزب الله» على لائحة الإرهاب. فتارة يتحدث المسؤولون فيه عن السبب الجزائي- القضائي المتعلق باتهام هذا الجناح بتفجير بورغاس في بلغاريا ومحاولة التفجير في قبرص، وأخرى تسرب مصادر «رفيعة» في الاتحاد أن سبب القرار ذهاب الحزب بعيداً في تدخله العسكري في سورية، وهو سبب سياسي لأن القرار رسالة سياسية للحزب بهذا المعنى.
وإذا كان على المرء أن يفتش عن أيهما السبب الفعلي، فإنه سيضيع بينهما، هذا إذا لم يأت من يقول إنه لا هذا ولا ذاك، وإن الدافع إليه يتعلق إما بالإلحاح الإسرائيلي على الخطوة، وإما بتوجيه رسالة أوروبية إلى إيران عبر الحزب. إلا أن التبريرين معاً يمكن أن يصلحا لتفسير هذه الخطوة الأوروبية التي أطلقت العنان لسلسلة من المخاوف والتحذيرات اللبنانية من تأثيراتها الداخلية على الوضع اللبناني المأزوم أصلاً، لأنها ستزيده تأزماً كما ثبت في كلام الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله أول من أمس حين خاطب خصومه في الخارج وفي الداخل قائلاً: «لن تستطيعوا توظيف هذا القرار في الداخل، ولا حكومة من دون حزب الله ووزراؤنا سيكونون من الجناح العسكري في الحزب»، في موقف يغلب عليه التحدي حياله على التوجس.
لا جديد في رد فعل السيد نصرالله هذا. فالمعطيات التي سبقت القرار كانت واضحة بأن لا حكومة في لبنان بعدما قرر خصوم الحزب البقاء على موقفهم تشكيل حكومة من غير الحزبيين وأن يتمثل فيها جميع الفرقاء بـ «الأصدقاء» لتحييدها عن الصراع السياسي المفتوح حول الأزمة السورية المتمادية، وسط الرهانات المتناقضة عند كل فريق على تطورات لمصلحة النظام، وهي حال الحزب، أو على تغيير في ميزان القوى لمصلحة المعارضة كما يأمل خصوم الحزب، من دون أن تكون لديهم معطيات تسمح لهم برهان كهذا في ظل صمود النظام بدعم من الخارج ومن الحزب نفسه.
وعلى رغم أن الحزب يحاول إخفاء التوتر الذي سببه القرار الأوروبي لقيادته، فإنه كان حجز لنفسه موقفه الذي يُؤثِر إظهار لامبالاته حياله، حين قال السيد نصرالله تعليقاً على الأنباء عن أن مجلس التعاون الخليجي يتجه لاعتباره تنظيماً إرهابياً، إن ورقة التهديد هذه «بلّوها واشربوا ميّتها» قبل زهاء شهرين.
وإذا كان مصدر الارتباك الأوروبي محاولة التخفيف من وقع القرار بالقول إنه سيكون قيد المراجعة كل 6 أشهر، أو إن منع التأشيرات وتجميد الأرصدة سيطبقان على أشخاص محددين من الذين يشتبه باشتراكهم في أعمال إرهابية على أرض أوروبا، فإن هذا الكلام بقدر ما يسعى إلى حصر أي رد فعل حتى لا يتناول أعمالاً عدائية ضد قوات «يونيفيل» في جنوب لبنان، يترك الباب مفتوحاً على توسيع العقوبات ضد من يُعتقد انتماؤهم إلى الجناح العسكري للحزب. وإذا حصل هذا التوسيع للعقوبات يكون السبب السياسي للقرار يحظى بالأولوية. فمن خلال إبقاء الإجراءات «الجنائية» خاضعة للاحتمالات المطاطة، يحتفظ الأوروبيون لأنفسهم بالقدرة على تضييق هذه الإجراءات، بحيث تقتصر على بضعة أفراد، أو توسيعها بحيث تشمل دائرة أوسع لتطاول مجموعات، أو قياديين، أو «متبرعين» بالأموال…إلخ. وهذا يصيب بالضرر لبنانيين وليس فقط منتسبين إلى الحزب ويشكل مصدر قلق حتى للبنانيين لا يدينون بالولاء له. ولهذا السبب قد يكون على الدولة اللبنانية والحزب معاً أن يسعيا إلى مواجهة الاتهام الجنائي بالأدلة المضادة بدل وضع الرؤوس في الرمال، مثلما فعل الحزب في التعامل مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، رداً على اتهام عناصر منه بالتورط في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
وإذا كان ما يدعو للاعتقاد أن الدول الأوروبية تسبغ على العقوبات حيال الحزب هذه المطاطية، هو اقتران قرارها بتأكيد نيتها مواصلة حوارها مع قيادته لأنه مكون أساسي في المجتمع اللبناني، على رغم التهم الخطيرة التي توجهها إليه، فإن هذا يعني أن هناك تناغماً أوروبياً-إيرانياً على حفظ الاستقرار في لبنان يوجب استمرار هذا التواصل مع جهة صُنّفت إرهابية.
إلا أن ثمة وجهاً آخر للوظيفة السياسية للقرار لأنه يطرح السؤال عن كيفية تعامل إيران معه. فإذا كان الرئيس حسن روحاني الذي يتسلم منصبه رسمياً مطلع آب (أغسطس) انتخب للرئاسة الإيرانية لأن في أولوية تطلعاته أن يخفف العقوبات الغربية على طهران نظراً إلى الأضرار التي سببتها للاقتصاد، فإن العقوبات على الحزب ليست منفصلة عن الموقف الأوروبي من السياسة الإيرانية في المنطقة وفي الملف النووي والتي يشكل الحزب ذراعاً أساسية فيها، في لبنان وفي سورية.
هذا تعقيد إضافي في سياق ربط الوضع اللبناني بالوضع الإقليمي المتشعب. فهل سيربط الأوروبيون التفاوض على العقوبات بالتفاوض على دور الحزب في لبنان وفي سورية؟