تأتي ذكرى ثورة 23 يوليو المصرية الآن متوهجة بعد أن عتّم عليها الاخوان المسلمون حين وصلوا إلى السلطة في مصر، فقد كان بينهم وبين الثورة وعبد الناصر ثارات وتصفية حسابات، فقد طاردهم عبد الناصر وسجنهم بعد أن حاولوا اغتياله أكثر من مرة وقد ظل الإخوان مطاردين في عهده والعهود التي لحقته رغم أن السادات حاول التحالف معهم ضد أجنحة من الثورة ورموزها فقتلوه في حادث المنصة!
وفي زمن الرئيس حسني مبارك الذي خلعته ثورة 25 يناير تذبذبت العلاقة مع الإخوان المسلمين وأطياف اسلامية أخرى ولكنها ظلت تتسم بالجفاء في كثير من الأحيان..
دخلت مصر نفق اتفاقيات كامب ديفيد، وانتقلت من موقع الصدام ومحرك الصراع الأساس باسم الأمة مع اسرائيل إلى موقع المهادن والمحايد وفي بعض الأحيان المتعاون كما حدث في مسائل تتعلق بغزة وقد اختزن المصريون كثيراً من الغضب والألم نتاج السياسات المصرية المتخاذلة في زمن الرئيس مبارك وانحدرت مصر من دولة محورية أساسية قائدة ومؤثرة..إلى دولة عادية وأحياناً تابعة ومتأثرة بشكل واضح بقوى دولية واقليمية وساد في تراكيبها الفساد وشعر المصريون نتاج ظروف اقتصادية واجتماعية غاب عنها العيش الكريم وتراجعت فيها الكرامة الوطنية والقومية المصرية بمزيد من الغضب الذي تفجر اثر استمرار العمل على سياسة التوريث وارتفاع منسوب الفساد والاستخذاء القومي حين لم يتمكن المصريون من أداء واجبهم الوطني والقومي اتجاه قضية فلسطين والاعتداء على قطاع غزة وحصاره وهم الذين كانوا دائماً في المقدمة من ذلك وكانت القضية الفلسطينية تجمع صفوفهم وتوحدهم امام المخاطر.. ظل عبد الناصر رمزاً لكثير من المصريين الذين خرجوا في جنازته خروج البصرة في جنازة الحسن البصري وظل رمزاً للوطنيين والقوميين واليساريين المصريين رغم أن الهزيمة المرة عام 1967 وقعت في زمنه وعلى يد قيادته ومع ذلك التفت مصر واحبته وقدرته لأنه كان يدرك أسرارها ويعرف كيف يقود ويجسد دورها الحضاري والتاريخي ويضع العزة في نفوس أبنائها..
كانت مصر منذ غزو الهكسوس بوابة تحرير لفلسطين وقد قاتل سلاطينها وقادتها من الظاهر بيبرس إلى السلطان قطز خارج حدودها في معارك عدة ضد أكثر من غزوة دفاعاً عنها ولم ينتظروا غزاتها حتى يدنسوها ويدخلوا إلى أرضها وفي هذا السياق جاءها صلاح الدين فأعاد مذهبها السني اليها وخلصها من الفاطميين ومن دعمهم وتحالفاتهم ومهادنتهم للصليبيين وأعاد لها دورها..كما جاء من بعد محمد علي ليضع الدولة المصرية الحديثة قبل أن تفسدها سلالته الأخيرة وقبل أن يأتي ابنها المصري ليحكمها لأول مرة وهو عبد الناصر ليفك ارتباطها من التبعية والاستعمار ويعيد لها دورها العربي القوي ويصلب فيها الانتماء الوطني فلم تكن العروبة والقومية واضحة المعالم قبل عبد الناصر الذي جعلها قائدة الفكرة القومية ومجسدة المصالح العربية قبل أن يقصم عدوان 1967 ظهره ويطيح بثورته ليتولاها من لم يخلص لأفكارها ويصل الخذلان قمته في زيارة الرئيس السادات للقدس وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد..
تصحو مصر من الصدمة، من العلاقات الدبقة الاستهلاكية والتبعية التي صنعتها مستنقعات الاستسلام باسم السلام ويصل الضعف أوجه فتنهض من تحت الركام في ثورة 25 يناير التي التف عليها الاخوان المسلمون في لحظة من لحظات التحول حين انقضوا على مفاصل الدولة المصرية وحاولوا تجييرها لصالح حزبهم ومرشدهم ومصالحهم الضيقة..لكن المصريين الذين يحتفظون بتراث عميق من التعددية والحزبية والنضال ضد أشكال من الاستبداد التاريخي المتراكم منذ ثورة عرابي 1919 اعادوا انتاج ثورتهم في 30 يونيو حزيران 2013 ليطيحوا بالاخوان ويعيدوا تراث عبد الناصر الى الواجهة كمنقذ ومخلص ورمز وموحد للقوى الوطنية والقومية المناضلة الموحدة تسطع كشكل من اشكال المناداة للتوحد ورفض التخلف والتبعية والهيمنة وإعادة انتاج الصراع مع الخارج والأعداء على أسس مختلفة تحفظ لمصر كرامتها وهيبتها ودورها في نهج عبد الناصر، الآن الخلاص إلى أن يطور المصريون هذا النهج ويسيروا به للأمام فمصر لا يمكن أن تضيع بوصلتها أو أن تستبدل الأعداء الذين نعرفهم جيداً بغيرهم على سبيل التضليل..
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/في ذكرى ثورة 23 يوليو.. عبدالناصر منقذاً
25
المقالة السابقة