يتوقع اللبنانيون، او بعضهم على الأقل، ان ينغّص القرار الأوروبي بإدراج «حزب الله» على لائحة المنظات الإرهابية، عيشهم واستقرارهم في دول الشتات الأوروبية التي نزحوا اليها قسراً او طوعاً على مدى السنوات الأربعين الماضية، لكن هذا لن يكون شيئاً بالمقارنة مع ما سيعاني منه مواطنوهم في لبنان نفسه، سواء مع بدء تطبيق القرار الاسبوع المقبل وما يستتبعه من تدقيق وعرقلة في تجارتهم ومعاملاتهم وتحويلاتهم وأعمالهم وبالتأكيد سفرهم، او بما يعنيه القرار من فتح الوضع في لبنان على المخاطر كافة، وخصوصاً الأمنية، اذا لم يرتدع «حزب الله».
وهذه ليست المرة الأولى التي يدفع فيها عموم اللبنانيين ثمن سياسات الحزب المنفردة او يتحملون العبء الذي يلقيه على كاهلهم كلما قررت إيران ان تحرك بيادقها، وهو في مقدمهم، في لعبة النفوذ الإقليمية والدولية. لكن قرار الأوروبيين الجديد يعني عملياً رفع ورقة الحصانة الأخيرة عن لبنان واللبنانيين، بعدما كانوا يترددون في اللحاق بالأميركيين والعرب الذين سبقوهم الى ذلك.
فخلال التجارب السابقة، وآخرها وأهمها حرب تموز 2006، نجحت الديبلوماسية الأوروبية في حماية لبنان، بما فيه «حزب الله»، من تدمير واسع كانت الادارة الأميركية اعطت إسرائيل الضوء الأخضر لتنفيذه، وتمكنت من لجم آلة العدو العسكرية وتقليل أضرارها، في مقابل ضبط الجبهة في جنوب لبنان والمشاركة في الإمساك بها عبر نشر قوات «يونيفيل».
اما اليوم، فإن تورط الحزب العلني والمتزايد في الحرب السورية والاشتباه بمسؤوليته عن سلسلة هجمات ارهابية في بعض الدول الأوروبية، جعلا الأوروبيين يدركون ان حمايتهم له انتجت مفاعيل عكسية. فبدلاً من ان ينصرف الحزب بعد «إقفال» جبهة الجنوب الى التحول تدريجاً الى حركة سياسية، ويتخلى عن سلاحه في إطار دمج قواته في أجهزة الامن والجيش، اذ به يوسع مروحة نشاطه الى خارج لبنان لتصريف فائض القوة لديه، ولتثبيت دور له في المعادلة الإقليمية، بعدما نجح إما في تعطيل مؤسسات الدولة اللبنانية او السيطرة عليها.
صحيح ان الأوروبيين لم يتخذوا سوى خطوة أولى بتمييزهم بين «الجناح العسكري» و «الجناح السياسي» اللذين يدركون انهما واحد في الحزب ذي التركيبة الامنية، ولمعرفتهم ايضاً بأنه لن يتراجع عن تدخله في الحرب السورية لأنه تم بقرار ايراني لا يستطيع مخالفته، لكنهم منحوه فرصة اخيرة قبل تركه وحيداً على الساحة الدولية في أي مواجهة مقبلة مع اسرائيل، وهي مواجهة قد لا تكون بعيدة، وستكون نتائجها مدمرة على لبنان كله.
القرار الأوروبي يعني ان على «حزب الله» حسم التناقض الذي أوقع نفسه فيه والاختيار بين إما انه يريد مواصلة الاستفادة من الحماية التي توفرها له الشرعية اللبنانية اذا قرر ان يكون جزءاً منها، وإما انه يريد مواصلة انقلابه على هذه الشرعية وإضعافها وإعاقة عمل مؤسساتها وتجاوز قراراتها، وبينها خصوصاً سياسة النأي بالنفس عن الحرب الأهلية في سورية. اي انه لا يمكنه الاستمرار في لعب ورقة الاستقرار في لبنان وادعاء الحرص عليه، بينما هو يدخله تدريجاً، ورغماً عن ارادة غالبية شعبه، في سياسة محاور إقليمية لن تجر عليه سوى الوبال.