الأرجح ان قيادة «حزب الله» لن تهتم كثيراً بتفاصيل العقوبات التي ينطوي عليها قرار الاتحاد الأوروبي وضع جناحه العسكري على لائحة الارهاب. فهي تعرف بدقة الصعوبات التقنية الهائلة امام الفرز بين العسكري والسياسي في الحزب، وهي تعلمت دروساً ثمينة من التجربة الايرانية في هذا المجال. وحتى لو تم تجاوز هذه الصعوبات فهي تتصرف وكأنها غير معنية بكل ما يصدر عن المجتمع الدولي وهيئاته بالنسبة الى الحزب، وقد أثبتت ذلك لمناسبة توجيه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اتهامات لعناصر في الحزب في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
اذاً، هذا التصنيف ينطوي على رسالة سياسية في المقام الأول. وإعلان التمييز بين جناحين للحزب، في الوقت الذي يعرف الجميع ان كل مستوياته وهيئاته ومؤسساته تدمج الصفتين معاً، مقصود. فهو تحذير مسبق للحزب وقيادته من مغبة الاستيلاء على الحكم في لبنان، في ضوء انغماسه الكامل في النزاع السوري وتحويل بلد الأرز كساحة للصراع تخضع هي الأخرى لميزان القوى العسكري. وفي ضوء عرقلته لتشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة، وتعميم فراغ دستوري يشتبه بأن الحزب وراءه من اجل أن يتولى هو سده عندما يحين الوقت المناسب.
هذه المخاوف التي يعبر عنها اعضاء في الاتحاد الاوروبي دفعت الى التحذير من ان العقوبات التي تطاول الجناح العسكري ستتحول عقوبات على الحزب في حال اقدامه على فرض واقع جديد من جانب واحد، وتالياً على لبنان والحكم فيه. وربما كان الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في أجواء القرار الأوروبي، فاستبقه بإعلان الاستعداد للحوار مع كل الأطراف اللبنانية. أي أنه رد سلفاً على المخاوف والتحذيرات الاوروبية، من جهة. ومن جهة أخرى، وضع الدولة اللبنانية المحرجة في موقع المدافع عنه، رغم ان الحزب لجأ اكثر من مرة الى القوة العسكرية في الداخل لتعديل ميزان قوى سياسي لمصلحته، ما ينطبق عليه وصف الارهاب بمعناه الحرفي.
في جانب آخر، لا يفصل الموقف الاوروبي، وإن جرى تبريره باعتداء بلغاريا ومحاولة اعتداء في قبرص، عن توجه عربي خليجي بدأ يرتاب في الحزب، بسبب دوره في القتال في سورية، وأيضاً بسبب ما ينسب اليه من دور في شبكات تابعة لايران في هذه الدول. اي ان الموقف الاوروبي بات أقرب منالاً للمطالبين بالعقوبات ضده بعدما فقد شبكة الامان العربية، وبات يواجه عقوبات في دول مجلس التعاون.
وإذ تصاعد الموقف الخليجي ضد «حزب الله» منذ انكشاف دوره العسكري في الصراع في سورية، توجهت اصابع الاتهام الى عناصر في الحزب في بلدان كثيرة، في الولايات المتحدة واميركا اللاتينية وآسيا، بعمليات تفجير واغتيال وبعمليات تهريب من كل الانواع لتمويل نشاطات تقع تحت بند الارهاب. لتلتصق بالحزب صورة تجمع الارهاب بكل أصنافه والتهريب بكل أنواعه. وتعكس هذه الاتهامات صورة مافيوية – سياسية – طائفية.
والأرجح ان هذه الصورة هي التهديد الأكثر خطورة على المدى البعيد لما يعتبر الحزب نفسه انه يمثله.
صحيح، هناك كثر يعملون بكل كد من أجل «شيطنة» الحزب لأسباب سياسية وطائفية، ويسعون الى استغلال أي حادث لتثبيت صورته المافيوية – السياسية. لكن الصحيح ايضاً أن قيادة الحزب لم تفعل الكثير من أجل تغيير هذه الصورة، خصوصاً على صعيد الممارسة والعلاقة مع الأطراف الأخرى، باستثناء وعود موسمية تتبخر عندما تنتفي الحاجة اليها.