لم تسمح روسيا بإسقاط النظام السوري. لم تبخل عليه بالأسلحة والذخائر وقبل ذلك بالحماية الديبلوماسية خصوصاً في مجلس الأمن. تعاملت مع الأزمة في سورية بوصفها فرصة لتسديد حسابات تراكمت منذ اندحار الاتحاد السوفياتي وانتحاره. أرادت تأكيد أن روسيا اليوم هي غير روسيا التي وقفت عاجزة أمام تأديب حليفها الصربي وأمام غزو العراق وطي صفحة معمر القذافي. وثمة من يقول إن روسيا ذهبت في دعم نظام الرئيس بشار الأسد إلى حد تقديم مساعدة مالية له وهو ما لم تدرج على القيام به.
من زاروا موسكو في الشهور الماضية استنتجوا أن موقف روسيا ثابت وأنها لا تبحث عن مقايضة للتخلي عن النظام السوري. وأن فلاديمير بوتين يستثمر إلى أقصى حد ضعف سيد البيت الأبيض الذي يعتبر نفسه مكلفاً بإعادة الجنود الأميركيين من ساحات الحرب لا إرسالهم إلى ساحات جديدة.
الموقف الروسي يدفع إلى الاعتقاد أن النزاع في سورية مرشح للاستمرار طويلاً.
لم تسمح ايران بإسقاط النظام السوري. لم تبخل عليه بشيء. أغرقته بالأسلحة والذخائر. تولت تدريب جيش رديف بعدما اكتشفت ضعف أداء الجيش النظامي في حروب المدن. مع إعلان «حزب الله» اللبناني انخراطه العلني في القتال على الأرض السورية أكدت طهران أنها تعتبر النزاع في سورية قصة حياة أو موت بالنسبة لها.
من التقوا مسؤولين إيرانيين في الشهور الأخيرة استنتجوا أن إيران متمسكة بموقفها الحالي في سورية حتى ولو استنزف قدراتها وأدى إلى إشعال نزاع شيعي – سنّي مفتوح في المنطقة. وأن إيران لا تبحث عن مقايضة وليست في وارد تقاضي ثمن تخليها عن النظام السوري.
الموقف الإيراني يدفع إلى الاعتقاد أن سورية مرشحة لنزاع طويل مدمر.
وحدها أميركا قادرة على اقتلاع النظام السوري. لكن الجنرالات الأميركيين صارحوا الإدارة بأنهم ليسوا على استعداد لخوض «نصف حرب» هناك. وقالوا إن إسقاط نظام الأسد يحتاج إلى حرب كاملة يصعب التكهن سلفاً بحدودها وانعكاساتها على الدول المجاورة.
من جالوا على الدول المصنفة في خانة «أصدقاء الشعب السوري» استنتجوا أن هذه الدول وعلى رغم مخاوفها من تجذر المتشددين على أرض سورية سترد على الموقفين الروسي والإيراني بمنع نظام الأسد من حسم المعركة لمصلحته. وهذا يعني كبح عمليات التقدم التي حققها الجيش النظامي في الشهور الثلاثة الماضية. ويعني أيضاً أن النزاع في سورية سيكون طويلاً ومريراً.
في ظل هذا المشهد يتصاعد التفكك السوري ويزداد تطاير شظاياه في المنطقة. ثلاثة ملفات تقلق الدول القريبة والبعيدة. الأول إمساك «القاعدة» وأخواتها بجزء من التراب السوري يمكن أن يتحول معهد تدريب وإعداد للمجاهدين الوافدين على غرار ما كانته أفغانستان في مرحلة سابقة. ولحضور «القاعدة» في سورية آثاره الأكيدة على لبنان والعراق والأردن.
الملف الثاني هو الدور الذي يلعبه النزاع الدائر في سورية في تسعير الخلاف السنّي – الشيعي في المنطقة. لا يحتاج المرء إلى جهد ليكتشف أن عودة مناخات الحرب الأهلية إلى العراق ترتبط بتصاعد النزاع السنّي – الشيعي انطلاقاً مما يجري على الأرض السورية. لبنان أيضاً مرشح لاستضافة هذه الرياح الساخنة ومقدار من «العرقنة» خصوصاً أن انهيار مؤسساته يحرمه من القدرة على اتقاء الشظايا السورية.
الملف الثالث هو ملف الأكراد في سورية بعد تحركهم الأخير لبلورة «إدارة موقتة لغرب كردستان». وإذا كان لا يمكن إنكار الظلم الذي لحق بالأكراد في سورية بفعل عمليات التعريب والتهجير والتهميش فإن من المجازفة الاعتقاد أن تجربة إقليم كردستان العراق قابلة للاستنساخ على الأراضي السورية. وواضح أن هذه الشظية الكردية أيقظت فوراً مخاوف تركيا التي سارعت إلى الإعلان أنها لن تسمح بكيان كردي على حدودها مع سورية.
أدت عمليات التدمير والتهجير والمذابح المروعة إلى تمزيق النسيج السوري. ها هو النسيج الممزق يرسل شظاياه إلى خارج الحدود ممزقاً النسيج في أكثر من دولة. ثمة من يعتقد أن النكبة السورية تحمل بذور نكبة كبرى على مستوى الإقليم.
غسان شربل/الشظايا السورية
15
المقالة السابقة