مشكلة الفلسطيني (ومنذ انطلاقة الثورة الفلسطينية) في العالم العربي وعلى المستوى الدولي أنه متهم دائماً! فهو في اعتقاد عديدين سبب البلاء في كل مشاكل الوطن العربي، والعديد من مشاكل العالم. إذا ما حصلت عملية إرهابية في مكان ما في العالم، تسارع الصحف والعديد من وكالات الأنباء إلى الإيحاء بأن من قام بها (يحمل ملامح شرق أوسطية أي الإيحاء بأنه فلسطيني). ولما انطلقت القاعدة خفّ الأمر باتهام الفلسطينيين، إلى اتهام الإرهاب الأصولي الإسلامي! بصدق شديد في مرحلة ماضية وصل الأمر إلى الحد الذي لو انفجرت فيه اسطوانة غاز في إحدى مناطق السويد، لاتُهم الفلسطيني بالقيام بها!.
حرصت الحركة الصهيونية وحلفاؤها على الترويج لصورة نمطية للفلسطيني ملتصقة بالإرهاب، كما حرصت على الترويج لصورة العربي وكأنه همجي، لا يفهم شيئاً، بل هو وحش، يحب النساء، يضطهدن، ولا يتقن شيئاً آخر، وبأنه ساذج، ليس له علاقة بالحضارة لا من قريب أو من بعيد. كان الإعلام الحليف جاهزاً لكل هذه الأكاذيب، حتى في السينما الأميركية والغربية عموماً، فكم من الأفلام السينمائية تناولت الفلسطينيين والعرب بالصورة التي كتبناها! المؤلم حقاً: أن يأتي الاتهام من ذوي القربى، ومثلما يقول بيت الشعر المتعلق بذلك، لأنه والحالة هذه أشد مضاضة. هذا ما ينطبق على العديد من الأقلام والمواقع الإلكترونية، وبعض المذيعيين والمذيعات، ومقدمي البرامج على الفضائيات في مصر الشقيقة. فكأن الفلسطيني هو كبش الفداء، والشماعة التي يجري تعليق عليها، كل الموبقات التي تقترفها هذه الجماعة أو تلك في مصر.
ما نود قوله أن الفلسطينيين لم يضيعوا بوصلة الصراع يوماً، فمقاومتهم متجهة ضد العدو الصهيوني دوماً، وهم من أكثر الشعوب العربية ( نظراً لخصوصية قضيتهم) إيماناً بالوحدة العربية، وينظرون إلى مصر باعتبارها الشقيقة الكبرى. وبالفعل تعاملت مصر مع الفلسطينيين في عهد الرئيس عبدالناصر، كالمصريين تماماً من زاوية الحقوق في التعليم والطبابة، وغيرها من المجالات. الفلسطينيون رحبّوا بثورة 30 يونيو( بغض النظر عن موقف حماس لاعتبارات تنظيمية) وسادت مظاهرات تأييد لها في بعض المناطق الفلسطينية، لكن البعض من الإخوة المصريين جعلوا من اتهام الفلسطينيين قضيتهم الأساسية، في الوقت الذي لا يتدخل فيه الفلسطينيون لا في الشأن المصري الداخلي ولا في غيره من شؤون الدول العربية الشقيقة. نفهم أنه في هذا البلد العربي أو ذلك، قد يخطئ فلسطيني أو بضعة فلسطينيين، فلتحاكمهم مصر وفقاً لقوانينها، ولكن لا أن تحمّل كافة الفلسطينيين وزر هؤلاء! ينطبق نفس الأمر على السوريين والعراقيين وغيرهم.
بالمقابل، قامت قوى وطنية وديموقراطية ويسارية مصرية، وشخصيات مستقلة أيضاً بتوقيع بيان يستنكرون فيه الحملة الشرسة من قبل البعض على الفلسطينيين. إن علاقات تاريخية أصيلة تربط بين الشعبين المصري والفلسطيني، فكم فعلت مصر من أجل القضية الفلسطينية، وقاتلت على كافة الأصعدة من أجل خدمة هذه القضية. في ثورة 25 يناير 2011 ارتفعت شعارات مطالبة بإلغاء اتفاقية كمب ديفيد وطرد السفير الصهيوني وإغلاق السفارة الإسرائيلية في القاهرة. ليس ذلك فحسب وإنما تمت أيضاً مهاجمة السفارة. بالتالي من الصعب فهم إغلاق معبر رفح مدداً طويلة، الأمر الذي يسبب معاناة كبيرة لأهلنا على جانبي المعبر، فمنهم من ينتظر حوالي أسبوعين في ظروف صعبة. من الصعب أن نفهم الاستمرار في إغلاق وهدم الأنفاق التي تعتبر المتنفس الوحيد لأهلنا في القطاع، المحاصرين إسرائيلياً منذ سنوات طويلة. إنه عصي على الفهم أيضاً إلزام الفلسطيني والسوري باستخراج فيزا قبل زيارة مصر. إن هذا يصعّب من حركة الفلسطينيين وتنقلهم إلى الخارج، فالمنفد الوحيد أمامهم (للذين يسكنون قطاع غزة) هو معبر رفح. نتفهم حرص الإخوة في مصر على الأمن الداخلي المصري، وبخاصة في هذه المرحلة الحرجة من التاريخ المصري، ولكن على الإخوة في مصر تفهم معاناة الفلسطينيين في القطاع.
إن قوى داخلية وخارجية كثيرة سواء في مصر أو في غيرها، تعمل على زرع بذور الفتنة بين أبناء الأمة العربية الواحدة، وتدعو إلى القطُرية البغيضة البعيدة كل البعد عن الإحساس الشعبي العربي، وتعمل على نشر بذور الكراهية من خلال الترويج للشوفينية، كالدعوة إلى الفرعونية وغيرها من المظاهر، التي تُسّهل على الأعداء تطبيق مخططاتهم الهادفة إلى تفتيت النسيج الاجتماعي العربي من خلال خلق الإشكالات البينية العربية أولاً , ثم خلقها داخل البلد العربي كمرحلة ثانية. إننا ندعو إلى استنكار كل تلك الأصوات البعيدة عن الموضوعية والهادفة إلى إيجاد شرخ شعبي بين الفلسطينيين والمصريين، فمصر كانت وستظل الشقيقة الكبرى لإخواتها العربيات، وندعو إلى المزيد من التلاحم بين الشعبيين المصري والفلسطيني، وبين شعوب كافة أبناء الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج.
د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني