وأنا أتابع عبر الشاشات بالمباشر خروج الملايين من أبناء الشعب العربي في مصر يوم الثلاثين من يونيو الماضي كانت الفرحة أكبر من الوصف. كنت أراقب وأرى في الضمير والوجدان والخاطر مصر التي أممت ومصر التي بنت السد العالي، ومصر التي وزعت الأراضي على الفلاحين ـ مصر الثورة التي بنت وعلمت بالمجان ووزعت الثروة على الوطن والمواطنين. شاهدت مصر التاسع والعاشر من يونيو 67 وهي تخرج بالملايين ترفض استقالة عبدالناصر وتهتف قلوبها وعقولها قبل الحناجر (حنحارب .. حنحارب .. كل الناس حتحارب). وفي الأثناء قفزت أيام حرب الاستنزاف .. واللاءات العربية في الخرطوم. رأيت انتصار مصر والأمة في العبور عام 73.
أجل كانت مصر العروبة والدور القومي تتقافز مع هتافات الثلاثين مليون إنسان في عموم أرض الكنانة رفض الفتن وفكر الفتنة .. مصر التي تثور على التجزئة وعلى سايكس بيكو، ثورتها على وعد بلفور ونتائج وعد بلفور. شاهدت الشموخ العربي كله يتجلى في عموم أزقة وشوارع وساحات وميادين مصرنا الحرة، وهي تقول لا لمن يريد أخونة مصر، ولمن يسعى إلى تدمير وحدة ودور مصر العربية.
رأيت الشهداء في حال ترقب وفرح مكبوت من سنوات عدة انتظارا لعودة مصر إلى أمتها التي انتظرتها طويلا. أمتها العربية التي اشتاقت إلى دور مصر القيادي في الساحات العربية والدولية.
ومن بين الملايين كنت أرى شهداء فلسطين يرفعون الأكف عالية بالدعاء لانتصار شعب مصر؛ لأن انتصار شعب مصر انتصار لفلسطين وللأمة العربية، وانتصار للحقيقة العربية التي تعاني اليوم من الالتهابات والمضادات باسم الدين أحيانا وأحيانا باسم الحرية.
كنت أرى في الملايين غد مصر كما أرى مصر.. أرض الحضارات وأرض البطولات والقيادة التاريخية للأمة في أحرج الظروف.
كعربي وإنسان سررت بما يدور، وتأكد لي أن الشعب قادر على فرض إرادته متى ما قرر أن يفرضها بعد أن يجتاز جدار الخوف. وشعب مصر العظيم اجتاز جدار الخوف منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 يوم خرج بالملايين رافضا حكم مبارك والخضوع لإملاءات واشنطن وصغارها الصغار الذين هم مجرد أدوات تحركها واشنطن، كما تحركها تل أبيب من وراء ستارة أميركا.
اليوم أيدينا على القلوب خوفا على مصر من الفتنة، وإن كنا متأكدين أن مصر أقوى من الفتنة وعصية على التمزق والانقسام، وقادرة على النهوض بمسؤولياتها الوطنية والقومية واستعادة دورها الإقليمي والعالمي المشهود.
مرحبا بمصر العروبة تنفض الغبار وتتوهج من جديد عربية الهوى والانتماء وفلسطينية التوجه والجواب؛ لأن مقياس إخلاص أي نظام حكم عربي هو بقدر اقترابه من القضية المصيرية للأمة العربية في فلسطين. ومعذرة يا مصرنا إن أساء أي منا إليك؛ فنحن من المسيئين براء، ونحن نهفو إلى معانقة أرضنا وشعبنا في مصر العربية الفلسطينية.
وإن كان نظام مرسي قد قطع العلاقات مع سوريا وحرم أيضا فلسطينيي سوريا من زيارة أرض الكنانة؛ فالأمل اليوم يرتسم أمامنا جليا: أهلا بروحنا الحرة العائدة .. أهلا مصرنا العربية الأبية. أهلا حاملة راية ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.
نواف أبو الهيجاء كاتب فلسطيني
Nawaf.m.abulhaija@gmail.com