عروبة الإخباري – بقلم اندروا تابلر* / أصبحت الأوضاع في سوريا تشبه ما حدث في البوسنة، تزامناً مع مرور أكثر من عامين على الأزمة السورية. فانهيار كيان الدولة السورية خطر وشيك الحدوث في أي لحظة خلال المرحلة المقبلة، ويمكن أن تصبح سوريا مثل: الصومال، حيث عانت حربا أهلية استمرت لعقدين من الزمن، مزقت خلالها الدولة الصومالية، وبذلك أصبحت البيئة مهيأة لوجود إرهابيين وارتكاب الجرائم.ونتيجة لذلك، انقسمت سوريا إلى مناطق متعددة ما بين منطقة تسيطر عليها الأقلية العلوية، حيث لا يزال نظام الأسد له تأثير في الغرب، وأخرى في الوسط يسيطر عليها العرب السنة، وتضم أغلب الجماعات المسلحة، مثل: جبهة النصرة، التي تنتمي لتنظيم القاعدة.
وفي هذا الإطار، تأتي مقالة “أندروا تابلر” ، باحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى – التي حملت عنوان “انهيار سوريا، ودور واشنطن في حل الأزمة”، والتي نشرتها مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية، في تأثير الأزمة السورية فى نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة.
بدأت المقالة بالإشارة إلى تأثير الأزمة السورية فى نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، التي وضعت الولايات المتحدة أمام تحديات عدة تزداد كلما طال أمد الأزمة. فلقد بدأت الاحتجاجات المعارضة لنظام الأسد منذ أكثر من عامين راح ضحيتها ما يقرب من 80 ألف شخص، ونزح ما يقرب من ربع سكان سوريا، ولا تزال أعداد القتلى واللاجئين مرشحة للصعود بشكل متوال، وذلك ينذر بقرب حلول كارثة إنسانية في سوريا.فإذا استمرت عمليات القتل بهذا المعدل، فستصل أعداد القتل إلى 100.000 بحلول أغسطس من العام الجاري، وتستمر عمليات القتل، بالرغم من دعوة الإدارة الأمريكية برئاسة أوباما للأسد بالتنحي منذ عامين.
ومن هنا، فإن الصراع السوري يهدد قيم الولايات المتحدة ومصالحها، ويمكن في إطار هذا التفرقة بين وجهتي نظر لكل من المثاليين والواقعيين –كما أوضحت المقالة بصورة غير مباشرة- من الأزمة السورية. يري المثاليون أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تتحرك عسكريا لمنع الإبادة الجماعية. أما الواقعيون، فيقولون إن على الولايات المتحدة أن تتدخل فقط عندما تكون مصالحها الحيوية على المحك، وتتدخل عندما تتعرض للتهديد بشكل مباشر. ويرون أن التدخل الإنساني ذو كلفة باهظة, وأن التعاطف لا يأتي بفائدة على البلاد.
مخاطر مشكلة اللاجئين
أشارت المقالة إلى امتداد أثر الصراع على الأراضي السورية إلى الدول المجاورة –حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية- بزيادة عدد اللاجئين إليها، وزيادة عدد الجماعات المسلحة، مما يهدد استقرار تلك البلاد، فمشكلة اللاجئين تشكل خطراً حقيقياً على دول الجوار السوري (الأردن، ولبنان، والعراق، وتركيا).ووفقاً للإحصاءات الأخيرة التي أعلنتها مفوضية الأمم المتحدة –كما ذكرت المقالة- فإن نحو 400 ألف سوري تدفقوا إلى الأردن ولبنان، بينما هناك ما يقرب من 100 ألف سوري فروا إلى العراق. وبزيادة عدد اللاجئين إلى العراق ولبنان، قد يعيد الصراعات الأهلية مرة أخرى لتلك البلاد. وتعد تركيا الأقل تأثراً، والأكثر قدرة من بين دول الجوار السوري على التعامل مع تلك الأزمة، بينما تواجه مشكلات في التعامل مع مخيمات اللاجئين.
وفي الأردن/ أصبح مخيم الزعترى، رابع أكبر مدينة سكانية في البلاد، مما يهدد موارد المملكة الهاشمية الأردنية، وتهديد الاستقرار في المحافظات الشمالية بشكل عام. وتتزايد أوضاع المنطقة تدهوراً نتيجة الصراع الطائفي بين السنة والشيعة، والتوترات القائمة في وادي البقاع في سوريا، وكثرة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.وتجدر الإشارة إلى أن عدم السيطرة على الأسلحة الكيماوية، والإغفال عن اتخاذ إجراءات مسبقة للحد من مخاطرها، سيهددان دول الجوار السورية أيضاً.
وبالرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة منذ عقدين للقضاء على الإرهاب الدولي والجماعات المسلحة، فقد أعلنت جبهة النصرة توحيد القوى لتشكيل الدولة الإسلامية في العراق والشام.
وتطرقت المقالة إلى التيارات الرئيسية للمعارضة السورية، والتي تتمثل في: العلمانيين، والإسلاميين المعتدلين (الإخوان المسلمون)، والسلفيين (الجماعات المتطرفة، مثل: جبهة النصرة). وبالنسبة للتيارين الأول والثاني، فهما أكثر وطنية في التوجه، وأهدافهما سياسية أكثر منها دينية، وأجندتهما لا تمتدان خارج سوريا. أما عن التيار الثالث والأخير، فأهدافه عبر وطنية، مثل: إنشاء دولة إسلامية أو خلافة خارج الحدود السورية، والسبب الرئيسي لجعل هذا التيار له دور فاعل هو الدعم الخليجي، حسبما يشير الكاتب.
أسلوب الولايات المتحدة في إدارة الأزمة السورية
أوضحت المقالة أن الولايات المتحدة اعتمدت على أسلوب إدارة الأزمة السورية من أعلى إلى أسفل، بالتركيز على الدبلوماسية لتنحى الأسد، وتهيئة المجال للانتقال السلمي والديمقراطية، وهذا الاحتمال أصبح غير قابل للنجاح، فقد فشلت الوساطة الدبلوماسية الدولية، بسبب الاختلاف بين موسكو وواشنطن حول إدارة المرحلة الانتقالية بعد تنحى الأسد. فيما طالبت الولايات المتحدة بتخلي الأسد عن السلطة، وتصر روسيا على أن الأسد، أو على الأقل نظامه، لا بد أن يبقوا في السلطة.
وتأكيداً على الموقف الروسي –الحليف الاستراتيجي لنظام الأسد- فقد صوتت موسكو ثلاث مرات ضد إصدار قرارات من مجلس الأمن لفرض عقوبات على نظام الأسد، وبالفعل لم تصدر تلك القرارات.وذكرت المقالة أن سعى واشنطن لفرض العزلة الدبلوماسية على دمشق، وفرض مجموعة من العقوبات التجارية والنفطية والمالية تستهدف نظام الأسد، فضلاً عن المساعدات التي قدرت بمئات الملايين من الدولارات، ومساعدات الناشطين المدنيين، وجماعات المعارضة، ومحاولات عدم سيطرة الإرهابيين على الأسلحة الكيماوية- كل هذه الأسلحة قد تدفع للتدخل العسكري، حال تأكد إدارة أوباما من فشلها في التأثير فى الصراع في سوريا.
ونتيجة للخوف من انتشار الإرهابيين، ترددت واشنطن في دعم بعض الجماعات، خاصة الجماعات التي تمولها كل من (قطر، والسعودية، والكويت، وليبيا)، ولأن أغلبها يعد تابعاً للجهادية السلفية.
ومن الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة لم ترسل أسلحة فتاكة إلى سوريا، بل كانت معظم المساعدات غير فتاكة، وليست للقتال، مثل: (الطعام والأدوات الطبية). ولكن في النهاية، كل ذلك ليس من شأنه إجبار الأسد على التنحي، أو كسب ولاء المعارضة.وتطرقت المقالة إلى موقف معظم الثوار السوريين من الولايات المتحدة بسبب موقفها –الذي يصفونه بـ ” المتخاذل”، ساخرين بأنه من المفترض أن تكون هناك فترة ولاية ثالثة لأوباما لحل الأزمة السورية، إذا كان السوريون لا يزالون على قيد الحياة.
وتكمن معضلة الأزمة السورية – كما أشارت المقالة- في أن طبيعة الصراع ذات المجموع الصفري تجعل من الصعب خلق عملية سياسية تجمع عناصر المعارضة مع عناصر من النظام، لم تتلطخ أيديهم بالدماء. ويشير الكاتب إلى أن الحماية الروسية والإيرانية المستمرة لنظام الأسد خفضت أيضا من احتمالية اختيار الأسد للرحيل. وما دام باقيا في مكانه, فإنه من غير المحتمل أبدا أن تكون هناك عملية سياسية لترتيب عملية الانتقال.
مخاطر استمرار الأزمة السورية
أشارت المقالة إلى ازدياد مخاوف الأمريكيين من تدخل الإدارة الأمريكية عسكرياً في الأزمة السورية، نتيجة مخاطر استخدام الأسلحة الكيميائية، بسبب انخفاض مخزون الأسلحة الكيماوية لدى نظام الأسد، ويمكن أن تتحول الأوضاع في سوريا من كارثة إنسانية إلى كارثة استراتيجية على الولايات المتحدة وحلفائها.فانهيار الدولة السورية يعد تمكينا للجماعات الإرهابية، وربما يؤدى ذلك إلى التخطيط لهجمات إرهابية، مثلما حدث في أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي، مما يهدد الثروات الطبيعية السورية من النفط والغاز الطبيعي، ويجعل سوريا ملاذاً للإرهابيين، وأرضاً تُتداول عليها الأسلحة الخطيرة. فكلما زادت التهديدات، كثرت الصعوبات على الولايات المتحدة لحل الأزمة. وعلى الرغم من كل هذه المخاطر، فيجب أن تستمر الولايات المتحدة في تقديم المساعدات.
فالأكراد والجهاديون يهددون مباشرة أمن الولايات المتحدة، وحلفائها في المنطقة وهى: العراق، وتركيا، وإسرائيل، والأردن. ومع زيادة الصراع في سوريا، فإن التساؤل الذي يفرض نفسه هو متى تنتهي التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة من قبل سوريا؟، وما هي تكلفة القضاء عليها؟.
ولاحتواء الأزمة، تحتاج الولايات المتحدة إلى نهج جديد للتعامل مع التهديدات المتنامية، ويبدأ ذلك بتدخل عسكري جزئي لدفع جميع الأطراف إلى طاولة المفاوضات، وتعد الطريقة الوحيدة لحل الأزمة هي العمل مع الشعب بشكل مباشر.
مقترحات لحل الأزمة السورية
ذكرت المقالة عدة مقترحات لحل الأزمة السورية، تتمثل فيما يلي:
– استخدم واشنطن وسائل الردع كالحل العسكري لتدمير مخازن الأسلحة، وتدمير المنشآت الحيوية لنظام الأسد، ويمكن أن يقلل ذلك من أزمة اللاجئين وعدد القتلى.
– إنشاء ما يقرب من 50إلى 80 منطقة آمنة في عمق الحدود السورية مع تركيا والأردن لحماية السوريين من هجمات صورايخ سكود والطائرات التي تقصف المدنيين، وبذلك يتم الحفاظ على أرواح اللاجئين في الدول المجاورة، وتمكين المجتمع الدولي من توجيه مساعدات إنسانية لهم، والحماية من هجمات قوات الأسد.
– إنشاء منطقة حظر جوى للطيران في سوريا، فالمناطق الآمنة لا يمكن أن تحمى المدنيين من هجمات الأسد، بينما منطقة حظر الطيران ستكون لها فاعلية أكثر عبر الوقاية من الإصابات في صفوف المدنيين، وسيترتب عليها العمل مباشرة مع قوات المعارضة السورية، من خلال: تقديم المساعدات، والتحقق من تنامي نفوذ الإسلاميين المتطرفين، وإبعاد قوات الحكومة السورية التابعة لنظام الأسد، والدعم العسكري على أساس دقة المعلومات، وأخيراً: العمل مع الجماعات المسلحة والمجالس المحلية لبناء قيادة سياسية جديدة على أساس الانتخابات المحلية.
– الحفاظ على حماية حقوق الأقليات، خاصة أن بعضهم ستكون لديه ميول انتقامية من الجماعة ذات الأغلبية في المجتمع السوري، مثلا: الأقلية العلوية في مواجهة الأغلبية السنية،
– إنشاء مكاتب في جنوب تركيا وشمال الأردن للعمل مباشرة مع المعارضة، وسيفتح ذلك مجالاً لعمل قوات الإغاثة، لذلك يجب إرسال الدبلوماسيين وضباط المخابرات الأمريكية إلى المناطق الآمنة للعمل معا مع المعارضة السورية، من خلال التدريب العسكري، والدعم بالأسلحة، وإقامة علاقات وثيقة مع الجهات الفاعلة في سوريا، بدلاً من الاضطرار إلى العمل من خلال (قطر، والسعودية، وتركيا) التي وجهت بعض المساعدات التى ليست في محلها.
– ينبغي أن تجرى انتخابات لاختيار قيادة مدنية لتجنب الفوضى، مما يسمح للمسئولين الأمريكيين بتقييم تأثير الجماعات المتطرفة. وسيترتب على عقد الانتخابات قطع دول الخليج مساعدتها للجماعات السورية، سواء أكانت إخوانية، أم سلفية.
– ضرورة وضع الولايات المتحدة استراتيجية لاستعادة ثقة الثوار السوريين فيها، من خلال العمل مع الجماعات الليبرالية، والعلمانية، والقومية، وشن غارات بدون طيار على تلك القوى المتطرفة التي ترفض الدولة المدنية، خلال المرحلة الانتقالية.
– السعي لعقد محادثات بين النظام والقوى المعارضة المعتدلة، برعاية الأمم المتحدة، ويشترط لعقدها وقف إطلاق النار بوضع رؤية روسية- أمريكية للمرحلة الانتقالية. ويأتي في ذلك دور واشنطن في إقناع الكرملين بلعب دور فعال لإنهاء الصراع الدائر في سوريا، ومحاولة السعي للتوافق بين واشنطن والمعارضة للضغط على موسكو للوصول إلى حل للأزمة، مما يزيد النفوذ الأمريكي.
واختتمت المقالة بتأكيد إعادة توحيد البلاد من خلال اللامركزية المحلية، والانتقال الديمقراطي، وتشجيع المصالحة الوطنية للعمل معا، وتعاون الدول المعنية مع بعضها بعضا للخروج من المحور الإيراني. فهذه الخطوات من شأنها تقييد نظام الأسد، ومعالجة الأزمة الإنسانية، وتوحيد المعارضة السورية، والحرص على عدم امتداد الصراع خارج الحدود السورية، ومنع تقسيم سوريا، وتلافي خطر قيام حرب بالوكالة بين السنة والشيعة، التي من شأنها تدمير المنطقة.
*تعريف الكاتب:
باحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى