تواجه الولايات المتحدة أكثر الأوضاع تعقيداً في الشرق الأوسط منذ أن امتد اهتمامها ونفوذها إلى هذه المنطقة من العالم. إذ يترافق تعقد الأزمات المتراكمة، خصوصاً الصراع العربي – الإسرائيلي وعملية السلام على المسار الفلسطيني، مع المواجهات العنيفة داخل الكيانات مع عملية تفكك الدول والمجتمعات وإعادة خلط الأوراق كلها.
يضاف إلى هذا الوضع الذي لا سابق له منذ الاستقلالات العربية ومنذ اندلاع الصراع العربي – الإسرائيلي، توسع التمدد الإيراني إلى المنطقة ومحاولات اختراقها عبر الحمية الطائفية والقوة العسكرية التي يشتبه بطموحها الى السلاح النووي، ربما للمرة الأولى منذ انهيار النفوذ الصفوي فيها. كما يُضاف اليه تطلع تركي مستند بدوره الى حمية طائفية، الى استعادة نفوذ وعلاقات انحسرت عن المنطقة مع انهيار الامبراطورية العثمانية.
تواجه الولايات المتحدة اليوم هذا الوضع المثقل بالأزمات والانفجارات الراهنة، وبصدى التراكمات التاريخية وحروبها وآلامها وما تركته من جروح غائرة في الذاكرة الجمعية والفردية. وهو الوضع الذي يبدو ان الإدارة الأميركية لا تزال تعجز عن فهمه واستيعاب معطياته، وتالياً القيام بالدور الذي يمكن أن يتوقع منها كقوة رئيسية في العالم منخرطة منذ عقود طويلة في قضايا المنطقة حيث لها مصالح استراتيجية.
وتفاقم هذا العجز مع الإدارة الأميركية الحالية التي يبدو أنها، من اجل عدم تكرار تجربتي أفغانستان والعراق، تتمهل جداً في التعامل مع الأزمات المتفجرة بفعل الربيع العربي وعلى جوانبه. في الوقت الذي يتطلب كل من هذه الأزمات استجابات سريعة للمتغيرات المتسارعة، وأجوبة مباشرة وصريحة. هكذا، وفي إطار الهلع من تورط عسكري نتيجة انزلاق ما، تطيل هذه الإدارة إجراءات اتخاذ القرار، سواء عبر كبار المسؤولين في البيت الأبيض أو عبر الكونغرس ولجانه. فبدت إدارة مترددة وعاجزة، وتعبر عن مواقف ملتبسة وأحياناً تقول الشيء ونقيضه.
وعندما يتحادث وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظرائه العرب في عمان اليوم، هل يحمل معه أجوبة على الأسئلة التي يطرحها هذا الوضع في المنطقة؟ وإذا لم يكن يحملها لماذا يتحمل عناء هذا السفر مجدداً إلى المنطقة التي كان فيها قبل أسابيع؟ ألا يكفي ما يقوم به مساعدوه هنا وهناك، في هذه العاصمة وتلك، من دون ان يعرف لماذا جاءوا وبماذا عادوا؟
يمكن، في الولايات المتحدة، للأكاديميين والعاملين في الجامعات ومراكز الأبحاث أن يأخذوا كامل الوقت الضروري لفهم ما يجري واقتراح الحلول. لكن تأخير القرار السياسي المطلوب من الإدارة الأميركية يترجم على الأرض في بلادنا تفاقماً للأزمات وانسداداً في حلولها، وتصعيداً في التوترات والمواجهات، إن لم تكن ترجمته قتلى وجرحى ومشردين وتدميراً. أي أن التردد والعجز الأميركي يترجم في بلادنا بمآس مباشرة وتعميق لنزاعات حالية. وتكاد ترى بالعين المجردة لائحة المآسي الممتدة من الخليج، مروراً بالعراق وسورية، وصولاً إلى مصر والمغرب العربي، والمتأتية من التردد والالتباس في المواقف الأميركية.
صحيح أن أزماتنا ترتبط بعوامل ذاتية كثيرة، ومسؤوليتها تقع علينا أولاً، لكن المسؤولية الأميركية تكمن ليس في خلق هذه الأزمات، وإنما في معالجة عاجزة وناقصة لما يمكن أن تقول انه دفاع عن مصالحها الاستراتيجية. فهي من جهة تنظر إلى هذه المصالح من رؤية شاملة للمنطقة وتريد معالجة كل من مشكلاتها على نحو منفصل. وبالنتيجة تفاقمت المشكلات بدل أن تجد حلولاً مقبولة… والأرجح أن زيارة كيري للمنطقة هذه المرة لن تخرج المواقف الأميركية من ترددها والتباساتها، ما يعني تعميق مأزق أزماتنا واستمرار مآسينا.
عبدالله اسكندر/ماذا سيفعل كيري؟
22
المقالة السابقة