بمنتهى الصراحة والوضوح، يصدر هذا التصريح الذي لا يحتمل التفسير والتأويل من أعلى منظمة أممية ليرسم صورة متشائمة جداً عن مستقبل العراق، إذ من المتوقع في ظل ماتراه الأمم المتحدة وهي مصيبة في ذلك أن يكون غدنا أسوء من يومنا الحاضر رغم ما في هذا الحاضر من لوعة وألم، من عنف ودماء وأشلاء، من خراب ودمار.
من المفروض أن يكون مثل هذا التصريح صادما لمن هو في السلطة، على الأقل لمن بقي لديه شيء من إحساس أو مروءة، يدعوه للتوقف عنده ولو للحظات، للتفكير والتأمل والسؤال، إلى أين نحن سائرون؟ إلى أين نحن ذاهبون بالعراق؟ ولمصلحة من ترك الحبل على الغارب، بعد أن ثبت بالدليل القاطع أن الجميع مهما تنوع الاختلاف هم مستهدفون. نحن إذا في ظل أوضاع مأساوية سيخرج الكل منها لاشك خاسر.
ليس منطقيا أن نتعامل مع تصريح من هذا النوع ببلادة وغباء وقلة اكتراث كما هو عليه الحال في مناسبات مماثلة، ليس مقبولا أن نضيع المزيد من وقت ثمين بالتراخي والكسل والخطر يدق أبوابنا بقوة محذرا ومنذرا، اللهم إلا إذا كنا قررنا الانتحار، وننتظر الوقت المناسب للتنفيذ، بينما المنطق يستدعي التحرك العاجل، لغرض المراجعة، وعلى وجه السرعة إيقاف التدهور في عموم المشهد العراقي وبشكل خاص في الملف الأمني.
مآلات الأمور مؤشر على نوعية مقدماتها، ولو كانت انطلاقتنا عام 2003 سليمة لخرجنا بعراق يتمتع بالعافية، لكنه يعاني اليوم من أمراض مزمنة تتنوع بين الطائفية السياسية والفساد وشيوع الظلم، والتخلف وسوء الإدارة، والانقسام المجتمعي إلى جانب الضعف بالشعور في الانتماء للوطن، فقدان بالأمن وتلاشي السلم الأهلي…..هذه الأمراض ستقود في النهاية للحرب الأهلية شئنا أم أبينا وكما تنبأت بذلك الأمم المتحدة.
لدينا باختصار مريض اسمه العراق تستدعي حالته الصحية كشفا صحيا عاجلا تمهيدا لإدخاله صالة العمليات ودون تأخير. وفي العرف السياسي فإن ذلك يعني جلوس الفرقاء وهم حاليا كما وصفهم الله سبحانه وتعالى (شركاء متشاكسون) على طاولة حوار وطني من أجل البحث عن مخرج توافقي مناسب، يتحمل من بيده السلطة مسؤوليته كاملة ويتوجب عليه تقديم الحلول والتنازلات للمظلومين والمضطهدين.
لابد لدوامة العنف من سبب، ولابد من معالجة ذلك السبب إذا أريد وضع نهاية حقيقية وعاجلة للعنف، هذه الظاهرة وأقصد بها العنف بقيت على مدى سنوات قرينة للفشل في إدارة الدولة لايمكن إزالتها إلا من خلال حكم رشيد، فيه تقاسم للسلطة، وتكريس لدولة مؤسسات وعدل، دولة مواطنة، لا تمييز فيها ولا ظلم.
العملية السياسية وصلت منذ سنوات إلى حالة انسداد وفقدت فعاليتها ولم تعد منتجة واكبر دليل على ذلك موقف حكومة المالكي من الحقوق التي تطالب بها ساحات الاعتصام في المحافظات الست، وأصحاب الحق لن يصبروا على التسويف والتعطيل والمكابرة إلى ما لا نهاية، الموقف آيل للانفجار والوقت ينفذ، والحاجة إلى مقاربة جديدة لحل الأزمة المتفاقمة أصبحت خيارا لابد منه.
لهذا السبب وعلى مدى سنوات العراق ينزف ولا حل يلوح بالأفق، والناس فقدت الأمل، إذ حتى في حلول هذا الشهر الفضيل وهو مدرسة للسلام والرحمة، للتوبة والمغفرة، حتى في هذا الشهر تسيل الدماء ويسقط الضحايا من الأبرياء وفي جميع المحافظات، وهو ما يضاعف آلامنا وجراحاتنا ويدعو حقيقة للصدمة.
ربما أمامنا الفرصة الأخيرة وما بعدها الطوفان لا سامح الله، فإذا كنا راغبين في حل الأزمة وقادرين عليها إذا لنتحرك دون تأخير، وإذا كنا غير ذلك أي أننا أما عاجزين أو غير مقتنعين بالتغيير، إذا لنسمح للمجتمع الدولي أن يتحمل المسؤولية وينقذ العراق وشعبه، فربما كان بنا ارحم من أنفسنا على أنفسنا.
أمامنا فرصة علينا أن لانضيعها بالتماس الأعذار والحجج. ولأني أكتب هذا المقال في هذا الشهر الفضيل فإني أستشهد بالآية الكريمة للاعتبار والذكرى.
بسم الله الرحمن الرحيم
(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون * أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) الآية 96-99الأعراف.