عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب / وصلت مياه الديسي إلى عمان كفزعة لتخفيف عطش العاصمة الذي لن ينتهي وسينفذ الديسي وغيره دون أن نجد حلاً جذرياً لموضوع المياه المزمن..وحتى تشرب العاصمة التي توسعت كثيراً وزادت فيها الأنفس الأردنية والعربية فإن ينابيع ومصادر مياه عديدة سيجري وضع اليد عليها وتحويلها إلى العاصمة وهذا أسلوب يعترض عليه ليس علماء البيئة والتنمية والاقتصاد بل حتى الذين لديهم أفق واسع من المواطنين فالأصل أن تقوم التجمعات البشرية والسكانية على المياه وأن يحافظ على مخزونها المحلي أو يجري استثماره والانتفاع منه في بيئته وفي مقابل ذلك وحين يكون الازدهار والريع من ذلك ينعكس على الاقتصاد الوطني.
ضغوط الفزعة لم تكتف بجر مياه الديسي، بل أعطت كل الماء الجوفي للشركة التركية الناقلة للتحكم فيه لخمس وعشرين سنة دون الالتفات الى البيئة المحلية وما يجره هذا القرار على المنطقة وعلى الاستثمار فيها وعلى مقولات توزيع التنمية واعمار الجنوب ودعم الفقراء وتمكين منطقة العقبة الاقتصادية واستقطاب الاستثمارات! المهم اننا سحبنا الماء لنروي العاصمة تحت شعار الانسان أولى من النبات وسد العطش أولى من ري المزروعات وهي شعارات لا يناقشها أحد وإلا أصبح نقاشه كمن يناقش أحداً يسأله ألا تؤمن بالله فكيف يكون الرد سوى نعم..
وإذا كانت دوافع مبررة أدت لنقل المياه فإن دوافع أخرى ما زالت غامضة وغير مفهومة وهي التي تتعلق بالمزارع التي ترتوي من مياه الديسي والمواطنين الذين يعيشون من هذه المزارع وعليها سواء من كانوا يسكنون المنطقة أو يشتغلون فيها أو ينتفعون منها حين يتوقف الماء عن هذه المزارع تصبح “قاعاً صفصفاً” أو “كالعصف المأكول” وتدخل مرحلة الذبول والجفاف والتصحر ونلغي أكثر من (30) سنة من الاستثمارات المجزية والمزارع الخصبة والامكانيات الكبيرة من الانتاج والتصدير فكيف نتقي ذلك؟ وماذا عملنا من أجل ذلك؟ أليس للأدوية أعراض جانبية تصل أحياناً إلى حد وقف الدواء وابطاله رغم ضرورته وما يجري في الديسي من جر للمياه إن لم يجر تداركه فإن اعراضه ربما تفوق فوائده خاصة وان الحل المتأتي سيكون محدوداً والاعراض التي تصاحب جر المياه ستكون كبيرة ومؤثرة وقد احتج عليها المواطنون في الجنوب مبكراً واتمنى على وزارة المياه أن تستمع لهذه الاحتجاجات وان تأخذ بها حتى لا يظل الحماس باتجاه واحد، أخذ الماء وقتل الزراعة وتدمير الاستثمار وشطب المنطقة من التنمية وبالتالي رحيل من فيها..
ما سمعناه من مدير المزارع في الجنوب المهندس سجال المجالي يستوقفنا وهو يتحدث عن دور هذه المزارع في تنبيت المواطنين وفي توفير فرص عمل لهم وعوائد على أسرهم وأطفالهم وعن دور في التنمية الاجتماعية ودعم الثروة الحيوانية..
ما زالت الشركة الكبرى التي تحدث عنها المجالي بألم لم تبلغ بالاغلاق الذي يعني التجفيف واقتلاع الشجر والحجر والنبات وأن لا أحد يعرف إلى ماذا ستؤول هذه المزارع..هل ستصبح أرضاً صحراء تضاف إلى المساحات الرملية والمتصحرة في وادي الديسي ووادي رم وجنوب الأردن.
المطلوب أن “لا يسبق السيف العذل” وأن لا تقتل نباتات وأشجار بالتعطيش أو الاقتلاع فمنذ وصية أبو بكر لجيشه المتجه إلى مؤتة بقيادة أسامة بن زيد ثم خالد بن الوليد جاء في الوصية المعني بها جنوب الأردن أن “لا يقطعوا شجرة وأن لا يقتلوا ناقة او حيواناً” وأن يحافظوا على سلامة الناس وممتلكاتهم “وحتى لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم” كما يقولون فإن الحكومة ممثلة في وزارة المياه والري معنية بالاسراع في تقديم حلول موضوعية وعلمية بعيدة عن الانفعال والتحريض وأن يجري الاستماع إلى سكان المنطقة الذين لا يجوز اختصار أصواتهم في صوتين أو ثلاثة سبق وأن احتجوا على هذه المزارع.
المزارع التي سيقطع عنها الماء الذي نرجوا أن لا يحدث هي جنة على الأرض كما رأينا وهي تتمتع بانتاج وفير من البطاطا والبصل والذرة والبرسيم والاشجار المثمرة التي تنتج أرقى أنواع الدراق والخوخ والمشمش والتفاح والاجاص والعنب وهي أصناف نوعية تنافس في الأسواق العالمية وتحمل اسم الأردن.