إنهم يقتلون الشعراء. يعيدون نبش قبورهم ليمثلوا بها. يقتلعون تماثيلهم في أي زاوية كانت. أمس كان أبو العلاء المعري. واليوم أبو تمام. هم ضد أي علامة مضيئة في هذا التراث العربي. قبائلهم تعيش بالدم وعلى الدم. لا يعرفون من التاريخ سوى ترهات تناقلها جاهل عن جاهل من جيل إلى جيل. أعداء الشعر والفنون هم قادة الثورات العربية من المحيط إلى الخليج. يشكلون جيوشاً مدججة بأحدث الأسلحة. يبنون تحالفات عابرة للحدود. يتنافسون على المغانم. يتكاثرون كالفطر. يدمرون المدن والآثار والمعالم القديمة والحديثة. يعيشون الماضي كما يتخيلونه. يبنون أحلامهم على الأنقاض… «وذلك أنهم بطبيعة التوحش الذي فيهم أهل انتهاب وعبث ينتهبون ما قدروا عليه… (التوحش) صار عندهم خلقاً وجبلَة وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم وعدم الإنقياد للسياسة وهذه الطبيعة منافية للعمران …» (إبن خلدون).
هل ما زالت هذه هي الحال منذ إبن خلدون حتى اليوم؟ كل الوقائع التي نعيشها تؤكد ذلك. عصر الإنحطاط مستمر منذ مئات السنين. ومن عجب أنهم لم يقتلعوا تمثال مؤسس علم التاريخ في تونس حتى اليوم. التاريخ بالنسبة إليهم تاريخ عداوات وحروب وغزوات. يعيشونه بأفعالهم وأحلامهم. يستعيدونه ليسقطوه على الحاضر، متوهمين أن الماضي طريقهم إلى الخلود. يؤبدونه في أدق تفاصيله. ألم يقدموا على اقتلاع تمثال هارون الرشيد في بغداد؟ ألم يطرح الأكراد إزالة اسم محافظة صلاح الدين لأن العرب يعتبرونه بطلاً، على رغم أنه كردي؟ الم يفكروا باقتلاع تمثال أبي الهول في مصر؟ هم يعتبرون كل مخالف أو مختلف عدواً، وكل تفكير يناقض تفكيرهم «بدعة والبدعة ضلالة». ولكن هل قرأ أحدهم شعر أبي تمام؟ هل اطلع أحدهم على سيرته؟ هل فكر بأنه أحد أهم أسس الحداثة الشعرية؟ هل قرأ ما جمعه من شعر العرب في ديوان «الحماسة»؟ إذا كان أحدهم قد فعل فإنما ليكفره باعتباره مبدعاً. ولا مكان للإبداع في قاموسهم.
قد يتفهم البعض إزالة تمثال حافظ الأسد أو بشار الأسد باعتبارهما رمز الحكم في سورية. لكن ما علاقة المعري وأبي تمام؟ هل أسسا حكم البعث، أم رسخا حكم العائلة والطائفة؟
إنها «طبيعة التوحش» المعادية للعمران، على ما يقول إبن خلدون. ونخشى أن يكون المستقبل أشد قتامة.
مصطفى زين/ثوار ضد أبي تمام
13
المقالة السابقة